الرأي

الـــــــــــرأي | لا يمكن حصر مراكش.. مدينة العلماء في إطار سياحي محض

 بقلم. محمد بركوش

      تعيين الوالي الجديد السيد بيكرات على ولاية مراكش تانسيفت الحوز جاء على غير إرادة البعض، خارج كل التنبؤات والتوقعات والحسابات المدروسة وغير المدروسة، ولذلك ينبغي أن يقرأ قراءة متحررة أو هرمينوطيقية كما يحلو لسعيد منتسب أن يردد، قراءة بدون إسقاطات مقصودة، لأن أصعب شيء على أية حالة أو واقعة هو أن تبلل كما قيل بمياه غير صالحة للاستعمال، خاصة وأن التعيين الجديد  لا يرصد المدهش والعجائبي رغم عنصري المباغتة والمفاجأة، بل على العكس من ذلك يرصد وبكل دقة حياة إدارية للوالي قائمة على الترقية والكفاءة والمؤهلات العلمية “دكتوراه”، وعلى النتائج الملموسة على أرض الواقع زيادة على البصمة التي استشفها الكثيرون “وأشاعوها” من العلاقة القديمة التي كانت تربط الوالي عندما كان كاتبا عاما بمراكش الحمراء بوزير الداخلية الحالي السيد حصاد، واعتبروا تفعليها بمثابة جواب واضح على الطلب الذي سبق أن تقدم به عمر الجزولي العمدة السابق لمراكش في إحدى جلسات لجنة الداخلية من أجل تسهيل الحصول على الوثائق المحتجزة إن صح التعبير في رفوف المجلس الجماعي والتي ستساعد “عمر العمدة” في تحضير وتهييء دفاعه، وإبعاد العديد من الشبهات أو التهم عليه، أو على الأقل إشراك بعض الأسماء المعروفة فيما ابتلي به، والتي خرجت من الطوق سالمة غانمة، منها شخصيات لها مكانتها في مجال المال والكتابة ونقل الأخبار غير الصحيحة أو التغاضي عن فضح ممارسات مازالت تداعياتها مستمرة ومتناسلة إلى حدود اليوم، رغم الملفات المفتوحة هنا وهناك والمعروضة على هذه الجهة أو تلك.

لقد خدم التعيين الجديد المدينة الشامخة من حيث لا تعلم، وخدم الوالي في صد الكثير من الأعذار التي كانت تروج لإخفاء الفشل كشساعة المنطقة وصعوبة التعامل مع الاحتجاجات المفتعلة والإضرابات المصطنعة والوقفات المتكررة، وذلك لأن الرجل يعرف مراكش جيدا “قنت بقنت”، منذ أن كان يشرف على شؤونها وإن من نافذة ضيقة لا يراها إلا المقربون، بحكم منصبه والمهام التي كانت مسندة إليه، ويعرف أيضا جل الموظفين والعاملين بالولاية، والذين ينصح بإعادة النظر في مناصب بعضهم وتحركاتهم، وما يقدمون عليه من خطوات غير محسوبة، لها ربما أكثر من إساءة ومس بالمصداقية، ويدرك أي الوالي أكثر من غيره راهن المدينة الذي عرف انبثاق عادات وسلوكات خادشة للجبين الناصع لمراكش: انتشرت بفضل الرغبة الأكيدة عند البعض في حصر مدينة الأولياء والعلماء والعباقرة والشعراء في إطار سياحي محض، يبيح اتخاذ الأجساد الغضة مادة للاستقطاب وجلب الملايين كما يحكي ابن عبيدات المثال الحي على تشويه صورة مراكش وتلويث أجوائها، ورجم حقيقتها بكل ما يقطر من الرذيلة ومع ذلك نقول للسيد الوالي بأن أشياء كثيرة تنتظره، ليس أولها معاناة المواطن من اختناق الشوارع بالكراسي المبثوثة فوق الأرصفة بإشارة من أصحاب المقاهي الذين يرتبطون بحبل “التدويرة” مع “مالين الحال”، أو يشتغلون لصالحهم، وليس آخرها انتشار الإجرام واعتراض المارة والأطفال، وكثرة دور الدعارة والفساد، وظهور أسياد جدد لم يكن للوالي علم بهم ولا دراية عندما كان يتحرك في محيط الولاية ويقدم خدمات للمواطن الذي يقبل عليها بين الحين والحين، زيادة على الفوضى العارمة التي يقربها ويشهد على وجودها بعض المستشارين الجماعيين الذين يشتكون من النهب والتبذير وقلة الحياء.

إن الوالي الجديد الذي تخلف الكثيرون لأسباب معروفة عن الإشادة بما قدمه في محطات متفرقة و”إن كانت متتابعة”، وتراجع آخرون عن تنظيم وقفة لا محل لها إلى استعراض العضلات للاستمالة وتهييء ظروف الاستقبال الحسن “ها حنا هنا”، قلت إنه رجل محظوظ جدا، ومرضي الوالدين كما قال أحد “معارفه”، لأنه تولى منصبه الكبير في مدينة كبيرة “دخلت التاريخ الحديث” كما دخلت القديم “من أبواب عدة” بعد شخصيات عظيمة توالت على خدمتها بكل تفان وبكل حزم وفي ظروف وعرة، وسطرت الطريق كالوالي مهيدية الذي مازال الكل يتذكر جديته وديناميته وتحركاته المتواصلة، والوالي فوزي الذي أهلته حنكته وتضحياته زيادة على إنسانيته ليكون مفتشا عاما، ورسمت الخارطة بكل دقة بعد إزالة كل العقبات، وأوقفت كل الاحتجاجات إلا ما استثني، وصالح الجماهير الغاضبة مع السلطة وقربها من المفهوم الجديد لهذه الأخيرة بنزولها من الأبراج العالية واحتكاكها بالمواطنين، إضافة طبعا “وهذا هو الأهم” إلى النهاية المفرحة التي وصلت إليها قضية تعاونية الحليب بعد دخول ملك البلاد على الخط، ووقوفه على مشاكلها العويصة ومتاعب عمالها ومستخدميها وكذا المنخرطين بها الذين شردوا وانتهكت كرامتهم دون أن يجدوا حلا للمعضلة رغم محاولات الولاة السابقين، إلى أن حَلَّ الفَرَجُ على يد الملك محمد السادس، في انتظار أن يحل القصاص والجزاء بالمغتصبين والمفسدين وعديمي الضمير والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى