متابعات | ما هي حقيقة ظاهرة “الجيش الأسود”
لا يمكن لعين الملاحظ أن تغفل وجود كتابات حائطية ضخمة تطلب “الحرية للمعتقلين العسكريين”، وهي منتشرة في عدة أحياء شعبية في مدينة الرباط وتمارة وسلا(..) لكن الأمر لا يتعلق بإدانة أو اعتقال بعض أفراد القوات المسلحة الملكية، ولكن هذه الكتابات التي عادت للظهور بشكل كبير في الآونة الأخيرة تحيل على أحداث الخميس الأسود بالدارالبيضاء، عندما قامت جحافل من “المشجعين” باجتياح شارع محمد الخامس في شهر أبريل الماضي وانتهت باعتقال عشرات مساندي الجيش الملكي على خلفية الشغب.
لا أحد يستطيع أن يعرف من يقف وراء هذه الكتابات، التي تبقى مجهولة المصدر في ظل تواصل الصمت الأمني، ولكن أبناء العاصمة يربطون بين هذه العبارات وبين “نشاط البلاك” وهو مصطلح يعني “الجيش الأسود”، أحد الفصائل التي تساند فريق الجيش الملكي في العاصمة ونواحيها، وهو ما تؤكده عشرات صفحات الفيس بوك التي تحمل اسم هذا التنظيم، وتظهر فيها نفس العبارات المكتوبة في الشارع(..) بشكل يوحي بأن شيئا ما قد يحدث في المستقبل(..) فمثل هذه التنظيمات تضم آلاف الأنصار وقد لا يكون هناك مجال لضبطهم.
——————————
يدخل نشاط “البلاك أرمي” ضمن ما يطلق عليه “الإلتراس”، والمصطلح الأخير هو كلمة لاتينية تعني “المتطرفون” وهي مجموعات معروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، “وتم تكوين أول فرقة إلتراس في العالم بالبرازيل سنة 1940(..) وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية(..)”، حسب ما ورد في الموسوعة الحرة، ولدى الإلتراس مصطلحات خاصة بهم يعرفها الجمهور جيدا مثل التيفو “لوحة فنية” و”الكابو” (المتحكم في الإلتراس وهو شخص معروف بصلابته)، و”الميساج” (الرسالة الموجهة للخصم) و”الكورطيج”(الانتقال من المحطات الطرقية للملاعب في قوافل).
ولا أحد يستطيع أن يعرف هوية الأشخاص المسؤولين عن “البلاك أرمي” طالما أن تحركاته لا تخضع للمنطق الجمعوي، لكن الناشطين في هذا التنظيم أنشأوا عدة صفحات على صفحات الإنترنت لنشر صورهم الخاصة وللحديث عن مشاغلهم ومن بينها تلك الصفحات التي تطالب بـ”الحرية للمعتقلين العسكريين” وهي إحالة على ما وقع شهر أبريل الماضي في الدار البيضاء(..) “حيث كانت مهمة الجمهور العسكري هي الدفاع عن الفريق في عاصمة الفساد وبعدها العودة إلى الثكنات العسكرية في الرباط”، حسب ما أوردته الصحافة نقلا عن الأعضاء.
فالمسؤول عما وقع في الدار البيضاء حسب تدوينات المنتسبين “للجيش الأسود” هو الأمن المخزن، “كل ما وقع كان مدبرا” هذا ما يعتقده المنتسبون لهذا التنظيم الذي يجد دائما من يدافع عنه، والمثال من هذا المدون الذي يقول: “أكيد أن العديد من متتبعي الشأن الكروي بالمغرب قد لاحظوا في الآونة الأخيرة ارتفاع حدة تضييق الخناق على جل مجموعات الإلتراس في المغرب من طرف القوى المخزنية والبلاك أرمي، والسمبري بالوما، الشارك، الريد مان، الوينرز، غرين بويز، عانت من شطط وتسلط السلطات المخزنية الغاشمة والتي ما فتئت تمارس شتى أنواع الضغط والترهيب على ممثلي الحركة بالمغرب”.
كلام من هذا القبيل قد يوحي بأن هذه الجماهير تتعرض لاعتداء ممنهج، لكن الصحافة التي غطت أحداث الخميس الأسود كتبت مقالات خطيرة عن جمهور البلاك أرمي، “إن ميلشيات القاصرين استخدمت كل شي في أعمال التخريب والتحطيم، جاؤوا محملين بالحجارة، وأغلبيتهم تتأبط سيوفا وأسلحة بيضاء ومفاتيح، وبراغي، عاثوا فسادا في السلع والتجهيزات وكل ما وجدوه أمامهم، في غضون دقائق خلف هؤلاء الهمج خسائر بقيمة ثمانية آلاف درهم”،”شهادة أحد التجار منشورة في جريدة الصباح، عدد: 22، أبريل 2013”.
داخل صفوف البلاك أرمي وغيره من الإلتراس لا مجال لتصديق كلام الصحافة، فـ”الأنتي ميديا” (العداء مع الصحافة) يجد جذوره في العداء المعروف بين المشجعين الإيطاليين والصحافة الإيطالية التي كانت موالية لرئيس الوزراء بيرلوسكوني، وكانت تصفهم باللصوص ومنعدمي الضمير، غير أن مظاهر الخصومة لا تقف عند حدود الصحافة بل تصل إلى العداوة مع البوليس “انظر صورة مشجع يتفاخر بضرب بوليسي”.
مبادئ الإلتراس الجميلة هي نفسها المبادئ التي يمكن أن تؤدي إلى حالة من الانفلات غير المسبوق، فسرقة “الباش” مثلا وهو قطعة ثوب كبيرة تحمل اسم الفصيل “البلاك أرمي، مثلا”، قد تؤدي إلى حروب دامية، حيث يعتبر “الباش” مثل الفتاة العذراء، وسرقته شبيهة باغتصابه عنوة، الأمر الذي يتطلب انتقام العائلة وهي الجمهور في هذه الحالة.
وقد كان الجميع يعتقد أن مشكلة البلاك أرمي قد طويت مع الإعلان عن إطلاق عشرات المعتقلين على خلفية الخميس الأسود عندما “أعطى الملك محمد السادس تعليماته إلى وزير العدل والحريات مصطفى الرميد بصفته رئيسا للنيابة العامة، لتقديم ملتمسات للهيئة القضائية المعنية، من أجل القضاء بإطلاق سراح القاصرين(..) وكانت قوات الأمن قد اعتقلت زهاء 193 شخصا يشتبه في تورطهم في أعمال تخريب ببعض أحياء مدينة الدار البيضاء، حيث ألحقوا ضررا بالممتلكات العامة عقب المباراة التي جمعت بين فريقي الجيش الملكي والرجاء البيضاوي، “هسبريس: 4 يونيو 2013”.
لكن جولة بسيطة في الأحياء الشعبية للعاصمة: دوار الحاجة وجبل الرايسي واليوسفية(..) واستقاء بعض الشهادات يؤكد أن عدة بعض المشجعين المحسوبين على الفريق مازالو معتقلين على خلفية الأحداث الأليمة وهو ما يفسر عبارات التضامن المنتشرة في كل مكان، غير أن عدم تعاطي السلطات مع هذه الكتابات يبقى محل تساؤل، كيف يمكن تلافي تطور الأمور، طالما أن أحداث الدار البيضاء كانت بدأت بمجدرد كتابات على الفيس بوك(..).
قد يستهزئ البعض بقوة الإلتراس أو فصيل مثل البلاك أرمي لكن الواقع يؤكد أن هذه المجموعات أصبحت تتحكم أكثر من أي وقت مضى في مصير آلاف الجماهير، فهذه التنظيمات هي التي أرغمت عبد الإله أكرم رئيس فريق الوداد البيضاوي على الرحيل بعد أن تركت المدرجات فارغة، وهي المجموعات نفسها التي ساهمت في رحيل الرئيس السابق لفريق الرجاء البيضاوي(..) لكن المشكلة لا تقف عند حدود التحكم في الفرق بل إنها تتطور إلى حالات شاذة عندما يكتسي الصراع بينها طابع استعراض القوة.