رحلة مريم فخر الدين الغرامية: عندما فرت من زوجها بقميص النوم
6 فبراير، 2016
0 4 دقائق
بقلم: رمزي صوفيا
ذات يوم، كان لدي موعد هام جدا لإجراء حوار فني متميز مع فنانة ومنتجة كبيرة، هي مريم فخر الدين، وكانت مريم في عز مجدها وشهرتها آنذاك. وفي بيتها استقبلتني وهي محاطة بزوجها المخرج محمود ذو الفقار، وشقيقها يوسف فخر الدين، وممثل ناشئ آنذاك، هو أحمد مظهر، والمحلن محمد الموجي. كانوا جميعا يستعدون للعمل في فيلم من إنتاج وبطولة مريم فخر الدين، وكما سيكتشف جمهور السينما فيما بعد، فإن أحمد مظهر سيصبح بعد ذلك من فرسان السينما وسينطلق كالصاروخ نحو المجد والنجومية، في حين أن يوسف سيمشي بعد ذلك في طريق الفن بخطى بطيئة وباهتة، في حين أن محمد الموجي سيترك الشاشة الفضية ليعود لاحتضان عوده وإعطاء أروع اللحان لصديقه اللذود عبد الحليم حافظ الذي كان الموجي لا يتوانى عن نعته بأفظع النعوت.
وفي تلك الجلسة المشهودة كانت مريم تطالعنا بعيونها الناعسة وجمالها الأوربي وهي ممسكة بيد زوجها محمود ذو الفقار بشغف كبير.
فبادرت محمود بسؤال محرج: “الناس لازالت تتكلم عن حكايتك مع أغراض زوجتك السابقة الراحلة عزيزة أمير، وتؤكد بأنك لم تتردد في بيع ملابسها بمجرد دفنها..”، فقاطعني غاضبا (وكان معروفا بعصبيته الشديدة والسريعة): “عزيزة كانت من رائدات السينما المصرية والعربية، أما الخزعبلات التي اتهمني بها أعداء نجاحي بعد وفاة زوجتي وحبيبتي عزيزة فقد انكشف الجبان الذي أطلقها، وقد عاقبه الله بدخوله المستشفى بعد أقل من أسبوعين على إطلاقه لهذه الشائعة المغرضة. لقد أحببت عزيزة بعنف الشباب وهي بدورها أعطتني الحب والحنان، فكانت لي نعم الزوجة والأم الحنون، وقدمت لي الكثير، فلولاها لما نجحت كفنان”. وسألته عن رأيه في زوجته مريم، فالتفت نحوها وطالعها بنظرات مليئة بالحب قائلا: “مريم هي حبيبتي وابنتي وكل شيء في حياتي”.. وتوقف عن الحديث وقال لي مبتسما: “اسألها هي”، وضحكت ذات العيون الناعسة وقالت بهدوئها المعهود: “أولا أنا زعلانة من محمود لأنه أتكلم عن مراته الأولى بحرارة، لكني أعرف كم يحبني ويدللني كالطفلة الصغيرة ربنا يخليه لي”، فقلت لها: “لقد نجحت كفنانة وأنت الآن في عز شبابك، فما هي أكبر طموحاتك؟”، قالت: “أن أنجب لمحمود نصف دزينة من البنات ونصف دزينة من الصبيان حتى يبقى بجانبي طول العمر، وثانيا أن يطيل الله في عمره لأن حياتي بدونه لا تساوي شيئا”، فسألتها: “وما هي أحلى هدية قدمها لك زوجك محمود؟”، فقالت لي على الفور: “لقد جعلني أتذوق طعم الأمومة بميلاد ابنتنا إيمان التي حولت بيتنا إلى جنة”.
ولكن القدر ضرب كل أمنيات مريم في صفر، حيث دبت الخلافات بينها وبين محمود بسبب الديون التي تراكمت عليها نتيجة مغامرتها في عالم الإنتاج، فتم الطلاق بينهما، وبعد فترة قصيرة تزوجت من طبيب شاب كان يدعى محمد الطويل وسافرت معه إلى الخارج معتزلة الفن ومتفرغة لزوجها خارج مصر. وعندما عادا صعقت مريم رسالة إنذارية من مصلحة الضرائب تطالبها فيها بالضرائب عن عائداتها الفنية لعشر سنوات، فبدأت الخلافات تنشب بينها وبين زوجها الطبيب، وهكذا قررت العودة للفن، فكان أول عمل لها في تلك المرحلة من حياته الفنية هو فيلم “فرسان الغرام” الذي أنتجه الصحفي اللامع آنذاك الراحل حبيب مجاعص صاحب ورئيس تحرير مجلة “السينما والعجائب” اللبنانية، سافرت إلى لبنان لتصويره مع فريق العمل، وهناك التقت المطرب فهد بلان، فكان ذلك اللقاء نقطة بداية في حياة عاطفية جديدة لمريم، حيث تم طلاقها من زوجها محمد الطويل خلال تلك الفترة، وهو الطلاق الذي لم يحزنها نهائيا لأنها كانت قد وقعت في هوى الشاب المفتول العضلات والقوي الصوت: فهد بلان. وهكذا عادا إلى القاهرة وهما زوجين، ولكن كتاب حياة مريم كان يخبئ لها نكسة عاطفية جديدة، حيث وقع طلاقها من زوجها الثالث بلان بعد فترة وجيزة على زواجهما.
وكانت مريم تعاني من آلام مزمنة في الأذنين مع صعوبة في السمع نتيجة الضرب المبرح الذي كان يوجهه لها زوجها الأول محمود ذو الفقار على مستوى أذنيها بالصفع واللكم بسبب غيرته الشديدة عليها.
وبعد كل الهدوء والرومانسية التي كانت تطبع أحاديث مريم خلال شبابها تحولت عندما تقدم بها العمر إلى جعبة للفضائح، حيث اشتهرت بتصريحاتها النارية ضد زملاء الأمس، فصارت في السنوات الأخيرة من عمرها لا تتردد في مد أي صحفي يزورها أو يلتقيها بمادة دسمة ضد نجم أو نجمة من نجوم سينما الأبيض والأسود. وأذكر أنني كنت ألتقيها في سنة 1998 خلال زيارة لي إلى لندن، وهناك جلسنا على مائدة العشاء في ضيافة صديق لي، فسألتها عن الرجال الذين لاحقوها بشراسة في حياته، فقالت لي دون أن يرف لها رمش: “تعرف أنني كنت أعيش على أعصابي من فرط هيام الكثيرين بي، ولكن اللي عملو فيا رشدي أباظة ما يتوصفش، حيث أنه كسر باب شقتي وطلبني للزواج منه فورا، فهربت بجلدي طالبة النجدة من جيراني لأنه كان في حالة سكر طافح وهيجان شديد قوي”، قلت لها: “هل حقا أن المشاكل الصحية التي تعيشينها مع أذنيك وقعت بسبب ضرب زوجك السابق محمود ذو الفقار لك باستمرار؟”، فقالت لي: “رغم أنها حالة وراثية لأن والدتي وخالاتي كان عندهم نفس المشكل، فمحمود كان يدمن يوميا على ضربي بكل قواه وكنت أتلقى صفعاته بصبر كبير، ولكني ذات ليلة قلت لنفسي كفى، فدخل علي كعادته وسألني مع من التقيت ومع من تحدثت، لأن غيرته علي كانت من النوع الجنوني، فهربت من بيتنا بقميص نومي وأنا حافية القدمين، وفي اليوم الموالي طالبته بالطلاق، وحصل ذلك فتخلصت من آلام الضرب الموجه الذي كان يكيله لي كل ليلة تقريبا”، وسألتها: “هل حقا أنك اتهمت سعاد حسني بالكذب على عبد الحليم حافظ؟”، قال لي بثقة بالغة: “نعم، ويمكنني أن أواجهها، لماذا كذبت على الجمهور وقال بأنه كان رحمه الله متزوجا منها في السر، فهما لم يتزوجا في يوم من الأيام وكل ما هناك أنه كان يحبها وكانت تحبه ولكنها كانت شابة لعوبا فتركها غير آسف عليها بعدما ضبطها في صور خليعة مع شاب أجنبي وهي مرتدية المايوه”، وسألتها: “وماذا عن فاتن حمامة؟”، فقالت لي بنفس اللهجة: “فاتن كانت تجعل زوجها السابق عمر الشريف يوقع لها على شيكات بمبالغ كبيرة حتى تضمن ولاءه لها، وبمجرد تمكنه من الحصول على فرصة النجومية خارج مصر لم يتردد في سرقة دفتر شيكاتها وتمزيقه أمامها ثم تركها غير مطلقة وعير معلقة لسنوات وسنوات حتى طلبت منه الطلاق رحمة بها”، وسألتها: “وما رأيك في ظاهرة حجاب الفنانات؟”، فقالت لي بصراحة زائدة: “الحجاب في القلب وليس في الطرحة المزركشة والعيون المطلية بألف لون ولون والشفايف المرهقة بأحر الشفاه، أنا أعرف بأن الحجاب يعني الامتناع عن إظهار المفاتن، فأين هو الحجاب، هناك واحدة فقط تحجبت حقا وهي حبيبتي شادية الله يكرمها”، فانتقلت بها لموضوع آخر وسألتها: “وما رأيك في نجمات الجيل الذي جاء بعدكم مثل غادة عبد الزارق وليلى علوي وإلهام شاهين، ومطربات اليوم مثل نانسي عجرم وهيفاء وهبي؟” قال لي: “أنا لا أعرف الكثيرات ممن قلت لي عليهن، لا أعرف هيفاء ولا نانسي، ولا أريد أن عرفهما وكذلك لا أعرف غادة عبد الرازق، وبالعكس فليلى علوي وإلهام شاهين وأضيف إليهما منى زكي هن فنانات ممتازات جدا”. “ومن هو النجم الشاب الذي يمكنك التصفيق له؟”، قالت: “اسمه أحمد السقا”.
وبعد سنوات ازدادت حالة مريم فخر الدين الصحية تدهورا فأصيبت بشبه غيبوبة بعد سقوطها في بيتها، وتم إخضاعها لعملية دقيقة لإزالة تراكم الدم بدماغها، ولكن القدر شاء لها أن تغادر هذه الحياة في السنة الماضية بسبب مضاعفات العملية وبسبب تقدمها في السن تاركة وراءها رصيدا كبيرا من أجمل أفلام الأمس الجميل.