هناك حراك وصراع على صفحات الأمواج الزرقاء المتلاطمة للفايسبوك بين جناحين: جناح يدعي الحديث باسم الشعب ويعبر عن عدم رضاه على حكومة بن كيران وسياسته ويصفه بأقدح الصفات والنعوت ويحمله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع المغاربة في جميع المجالات، وينشر صورا وأشرطة بعضها مفبرك ورسومات كاريكاتورية، وأتاح الفوتوشوب إمكانيات هائلة للتلاعب بصورة الرجل وتشويه خلقته ووضعه في أوضاع مخلة أحيانا بالآداب ومهينة للإنسان الذي كرمه الله مهما كان شانه ومنصبه، ولم تستثن هذه السخرية حتى أقرب المقربين إليه، مرفوقة بدعوات للتظاهر أو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، كما يستغل هذا الجناح الهفوات اللسانية للسيد بن كيران ويعيد تقديمها في حلة تهكمية مع شرح ضافي للمقصود منها، وأحيانا يقحم بعض أعضاء هذا الجناح الملك ويطلبون منه أخذ زمام الأمور بإغلاق البرلمان وإقالة هذه الحكومة.
وجناح أخر يصفه البعض بالدراع الفايسبوكي للعدالة والتنمية ينبري للدافع بقوة عن رئيس الحكومة ويعدد إنجازاته في شتى المجالات، ويصفه ومعه وزراؤه بنظافة الذمة، وينشر بورتريهاته ضاحكا أو مبتسما أو مترئسا اجتماعا حكوميا، أو متزعما مؤتمرا أو لقاءا حزبيا أو نقابيا، وهو مزهو بالإصلاحا ت والإنجازات المحققة ومفتخر بأن ما قدمه رئيسهم لم يسبق إليه أي رئيس حكومة عبر التاريخ المغربي ويعزز دفوعاته بصور وأفلام لمنجزات حزب العدالة والتنمية في المدن التي يترأس مجالسها.
وأثناء هذه المقارعة الافتراضية الفايسبوكية المحمومة الحامية الوطيس بين الذي يدعي الدفاع عن الشعب “المحكور المحروم” الذي يرزح تحت غلاء المعيشة والعطالة وتجميد الأجور وتغول الباطرونا والغرق في المديونية، وازدياد اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء والقضاء على آمال وأحلام الطبقة الوسطى.. بل ويتهم الحزب الحاكم بانه صنيعة جهات نافذة لخدمة أجندات معينة، وبين الجناح الذي يدعي تمثيل الشعب “القنوع الصبور” الذي بوأته الانتخابات المكانة المرموقة التي هو فيها، وهو ما يطوق عنقه بمسؤولية العمل الجاد لما فيه خير من انتخبوه، وهو ما توج بتقليص أثمنة الأدوية وتعميم التغطية الصحية وتحرير أسعار بعض المواد ورفع الدعم عن بعضها ومساعدة اليتامى والأرامل والرفع من قيمة المنحة الجامعية والرفع من الحد الأدنى للمعاشات.. إلى غير ذلك من “المنجزات” التي تستهدف الطبقات الفقيرة، يلجأ الجناح الأول إلى استعمال أسلوب التهكم والاستهزاء المغلف بخطاب العلمية والعقلانية والحداثة والتقدم باسلوب يغرف من قاموس من الألفاظ البذيئة والسوقية والمنحطة، ويزج بالعامل الدينى والمذهبى فى هذا الصراع ويستهدف الرموز الدينية والروحية ويتهم الجناح الآخر بالرجعية والتزمت. فيما يلجأ الجناح الثاني إلى التحذير من مغبة جر البلاد إلى أثون ما يقع في سوريا وليبيا واليمن وما وقع في تونس ومصر، ويفتخر بأن الحزب الحاكم من وراء استقرار المغرب. ويتهم خصمه بالكفر والزندقة والخروج عن الملة. هذا الصراع الخفي الذي يتبادل طرفاه التهم الرخيصة والسب والشتيمة يطرح أكثر من علامة استفهام حول من يقف خلفه ومن يؤججه ومن يغذيه، ويدل على انحطاط وضحالة وميوعة وتردي الخطاب السياسي في المغرب ودليلا قاطعا على تخلي الأحزاب والنقابات عن دورها في تأطير وتربية الشباب، عدة الحاضر، وقادة المستقبل، وأمل المغرب تربية سياسية سليمة، ومؤشرا قويا على عجز “القيادات الحزبىة والنقابية “العجوزة الخالدة، على مواكبة موجات هذا العصر بجميع همومه وتجلياته وواقعه.