الـــــــــــرأي | “الله يفضح أولاد الحرام”
بقلم. الحسين الدراجي
“الجري وراء الساحرات” مَثلٌ فرنسي يعني السعي وراء تحقيق أهداف يستحيل إنجازها نظرا لما فيها من صعوبات وعراقيل جمة، وهي العبارة التي لجأ إليها الزعيم الاتحادي يوم تقلد زمام رئاسة الحكومة في أول تجربة للتناوب على الحكم، حيث كان الشعب كله ينتظر وصول اليساريين إلى دفة الحكم للقضاء على جميع مظاهر الفساد التي كانت مستشرية في جميع دواليب الإدارة، وهي أول صدمة تلقاها الشعب بعدما ظل لمدة غير قصيرة ينتشي بالتصريحات الواعدة التي كان قادة المعارضة أي الاتحاديون ينتفضون بها تحت قبة البرلمان، حيث مازال المواطنون يتذكرون صياح اليساري الذي كان يضرب بقوة على الطاولة وينبئ الشعب أن حزبه لديه أربع مائة وخمسون إجراء سيطبقها بمجرد وصوله إلى الحكم للقضاء على الفساد والاستبداد، ولكن الأيام برهنت أن الوعود والنوايا اصطدمت بالواقع المر، حيث استسلم الاتحاديون أمام قوة اللوبيات التي كانت تسيطر على الأوضاع في البلاد، والتي قالوا عنها أنها تشكل بؤر المقاومة، تناهض كل إصلاح، وهكذا فشلت أول تجربة للتناوب على الحكم وكان من الضروري إيجاد البديل غير أن عدم احترام المرجعية الديمقراطية جعل المغرب يجرب خبرة فريق حكومي يقوده إدريس جطو ثم جاء دور حزب الاستقلال بزعامة عباس الفاسي وهما تجربتان ظل المغرب يتأرجح بين المهنية والهواية.
وأخيرا وصل الإسلاميون أي العدالة والتنمية إلى مراكز القرار وبدأنا نسمع عن وجود ساحرات أو بؤر المقاومة، دخلنا إلى علم العجب والحيوانات، حيث أخذ رئيس الفريق الجديد بن كيران يخبرنا بوجود عفاريت وتماسيح يشوشون عليه ويعرقلون مشاريعه الإصلاحية وقد تكررت هذه العبارات في جل تصريحات السيد الرئيس إلى درجة أننا استأنسنا بها وتعودنا على سماعها في كل جلسات البرلمان بغرفتيه، وكنا نأمل أن يأتي يوم يعرفنا فيه السيد الرئيس على هذه المخلوقات الغريبة التي تعترض سبيله حتى نتيقن أن هناك طائفة من الشعب تعرقل وتشوش على العمل الحكومي، وأخيرا تحت ضغط الانتقادات الاستفزازية التي انهالت بها عليه المعارضة ووظفت حصيلة حكومته بأنها صفر على صفر. بلغ السيل الزبى وعقد صاحبنا رزانته وأشار بأصابع الاتهام إلى بعض خصومه من تيار معين، وانفجر مؤكدا أن لديه معلومات تفيد أن بعض القادة السياسيين ملمحا بصيغة صريحة وفاضحة إلى أن بعضهم يهربون الملايير من الأموال إلى الخارج وهي جريمة نكراء بل خيانة عظمى في حق الشعب، إذ في الوقت الذي يتوسل المغرب بطرق جميع أبواب الأشقاء العرب والأصدقاء للحصول على قروض تمكنه من مواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد لا يتورع هؤلاء المهربون من تهريب أموالهم وإيداعها بالأبناك الخارجية والحالة أن بلادهم في أمس الحاجة إليها للخروج من عنق الزجاجة. فإذا أضفنا هذا العمل المشين إلى النزيف اليومي الذي تتعرض له بلادنا بسبب الثغور المحتلة والتي يقصدها مئات المغاربة يوميا للتبضع بمدينة سبتة ومليلية؛ وهي حركة دائمة يتعيش بقصدها سكان الشمال والمغرب الشرقي، أدركنا خطورة ما يعانيه المغرب في المجال الاقتصادي، ولا ننسى في هذا الصدد ما نطلع عليه يوميا من أخبار تهريب الأموال عن طريق الموانئ والمطارات المغربية التي يتم بتواطؤ مع بعض المسؤولين عن حماية حدودنا من هذا النوع من النزيف المالي، وإذا كان جهاز “السكانير” الذي تستعمله المصالح المعنية لمراقبة ما يتم تهريبه من بضائع وأموال ومخدرات، يصاب في بعض الأحيان بعطب مقصود لغاية في نفس يعقوب، فعلى الدولة أن تبحث عن جهاز “سكانير” يخضع له بعض المسؤولين عن موانئنا ومطاراتنا لنتأكد إن كان لهؤلاء الأشخاص المسؤولين عن حدودنا ضمير وحس وطني أم أنهم أناس تتحكم فيهم الأطماع على حساب مصلحة الوطن، وقد علق أحد الظرفاء على ما قاله رئيس الحكومة قائلا: “الله يفضح أولاد الحرام”.