فقدَ المغرب الكاتبة التي ذكر اسمها في لائحة نشرتها جريدة “الغارديان” للمناضلات النسائيات الأكثر تأثيرا في العالم، والتي عُرفت بمواقفها التي تدعو إلى تحرير المرأة من طغيان الأعراف والتقاليد والمساواة الكاملة للنساء مع الرجال.
عالمة مغربية متميزة باجتهاداتها في فهم موروثنا التاريخي وتراثنا الإسلامي.. سلاحها.. قلمها، قد لا نشاطرها كل آرائها، لكن دفاعنا عليها حية وميتة أمر يرفض المساومة.
تعرضت قيد حياتها لما يشبه التكفير ولم تجد سندا غير جريدة “الأسبوع الصحفي”، التي كتبت عنها، في مقال طويل، بصفحة صاحبها مصطفى العلوي بتاريخ 29 يوليوز 1994، مقالا تحت عنوان: “المرنيسية” في طنجة و”تسليمة” في البانغلاديش/طنجة.. بعلمائها ومثقفيها.. تخاف من.. فاطمة!
وقد جاء في المقال، الذي رصد جزءا من الهجوم على الراحلة، ما يلي: هل تستحق طنجة، وهي المدينة المتميزة بموقعها الجغرافي وتاريخ أهلها المتفتحين دائما على العالم وحضاراته المتنوعة، ما نسب لها أخيرا من تحول إلى مركز للإرهاب الفكري وقاعدة لمصادرة الرأي المخالف، نقول هذا في حق مدينة أنتجت كتابا من صنف الطاهر بنجلون ومحمد شكري.. والعهدة على من وقعوا أو تبنوا “بيانا استنكاريا” حول كتب عالمة مغربية متميزة باجتهاداتها في فهم موروثنا التاريخي وتراثنا الإسلامي. والبيان الذي يتهم الكاتبة “فاطمة المرنيسي” يرتبط في جل أجزائه بمسائل تدخل في خانة المتحرك، وليس الثابت في ماضي المسلمين. وهي مسائل قابلة للاجتهاد وإعادة النظر في مدلولها حسب المعطيات الجديدة للزمان والمكان التي تتفاعل فيه.. بل من حق “فاطمة المرنيسي” على غرار “المستشار سعيد العشماوي”، نزع الأسطورة على الموروث التاريخي حتى يتمكن شبابنا من الابتعاد عن عوائق الجانب السالب في تراثنا، وبالتالي تجنب مسالك التعصب وفقه التطرف.
“البيان” المشار إليه أعلاه، والذي وقعه “143 من علماء وخطباء ووعاظ ومثقفين بطنجة، يشبه منطوق “حكم” من هيئة تعتبر نفسها من رجال الدين، والإسلام ليس فيه رجل الدين، في قضية غيابية”. 143 رجلا أي مجتمع بكامله يرتعد من قلم امرأة. ولو لا ظرفية القضية لاتهمنا “فاطمة المرنيسي” بتدبير هذه العملية الإشهارية لكتبها، لكن الجهات المستفيدة من هذا النوع من العمل “الإسلامي”، أرادت خلق “قضية” تحت غطاء الغيرة على الدين مثلما فعل الأصوليون ببنغلاديش في مؤامرتهم ضد الكاتبة “تسليمة نسرين” التي طلبت، حسب عدة شهادات موثوقة، إعادة النظر في بعض فروع الشريعة الإسلامية المرتبطة بحقوق المرأة، فيما اتهمها المتطرفون، دون منحها حق توضيح موقفها، بطلب إعادة النظر في القرآن حتى يتسنى لهم الحكم عليها بالكفر وتبعاته من حدود دينية، والنتيجة أن قضية “تسليمة نسرين” أخذت بعدا دوليا بعد أن أبدت ألمانيا رغبتها في استقبال الكاتبة المطاردة، وهذا يدفعنا لطرح أسئلة لموقعي “البيان” حول الأهداف الحقيقية التي جعلتهم يلتجئون للتستر وراء الدين في خصومة ذات طابع فكري، ويتهمون امرأة في وقت كان لهم الاختيار في نفس الموضوع حول كتب رجال مرموقين من طنجة.
وهل وصل المسلمون إلى هذا الحد من الضعف حتى أصبحوا يخافون من صوت امرأة، وماذا تخسر جماعة “143” لو طلبت من “فاطمة المرنيسي” توضيح موقفها في ندوة علنية بطنجة؟ إذ يظهر أن ما وقع من سوء تفاهم بين كتابات “فاطمة المرنيسي”، وتأويلات “جماعة 143” يشبه قصة غضب الخليفة عمر لأقوال الصحابي “حذيفة”. ولولا تدخل علي بن أبي طالب (رض) لكانت الكارثة.