الحقيقة الضائعة

الحـقــيقة الضــــائعة | جذور الصراع الذي دفع الملكية إلى القضاء على الأحزاب

 

الزعيمنخ أحرضان يكشف | خبايا الانقلاب الذي كان يدبره حزب الاستقلال ضد محمد الخامس

I

بقلم. مصطفى العلوي
بقلم. مصطفى العلوي

  وقف الوطني المشهور، سي أحمد بن سودة، رحمه الله، في اجتماع تمهيدي لشرح الموقف الوطني لبعض الفرنسيين وأتباعهم حينما كانوا يمهدون لنفي الملك محمد الخامس، فأمسك بن سودة بالميكروفون، ليتكلم بالفرنسية طبعا وقال: ((اسمحوا لي فأنا إنما تعلمت الكلام بالفرنسية في سجن كاريير سنطرال، فلا تعتبوا علي ارتكاب بعض الأغلاط، إن فرنسا والمغرب مرتبطان: فرنسا هي الزوج، والمغرب هو زوجته، فضحك أحد الصحفيين الفرنسيين الذي كان حاضرا وقال: لنعتبر هذا بالنسبة لنا داخلا في إطار تعدد الزوجات)) (مذكرات أحرضان).

تتمة المقال بعد الإعلان

مجرد شكل، من أشكال آثار التجذر الاستعماري الفرنسي في عقول الوطنيين المغاربة، في ذلك الزمن، الذي نقلنا إليه مؤخرا، الزعيم الحركي الكبير المحجوبي أحرضان، في الجزء الأول، من مذكراته التي طبعت أخيرا في باريس (Edition du Regard) والذي سرد فيه بكل تجرد، ماضيا مشحونا بالأحداث التي أغلبها لم ينشر لحد الآن.

أحرضان، هذا الضابط الذي تخرج من المدرسة العسكرية من “سانسير” الفرنسية، رفض الفرنسيون إعطاءه شهادة التخرج، ليزرعوا في أعماقه روح الوطنية المغربية، وقد تحولت إلى رغبة جامحة في محاربة الوجود الفرنسي بالمغرب.

ولكن أحرضان، يكشف لنا في ثنايا مذكراته، جانبا يهم المغرب، الحاضر، حيث نعيش مع الرجل الأول في الحركة الشعبية ظاهرة ضعف الأحزاب أو موتها، بصحيح العبارة، لنفهم أسرار هذا الإصرار المخطط، على إضعاف ظاهرة الأحزاب في المغرب بمنهجية غريبة، انطلقت منذ رجوع الملك محمد الخامس، لتتسارع في عهد الحسن الثاني، وتصلى عليها صلاة الجنازة في عهد محمد السادس.

وبعد قتل حزب الشورى والاستقلال، الذي لعب الدور الأساسي في مفاوضات “إيكس ليبان”، وذبح أقطابه المتصلبين من طرف أقطاب حزب الاستقلال، جاء المهدي بنبركة ليوجه الضربة القاتلة لحزب الاستقلال بتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ليوجه إليه الحسن الثاني، الضربات القاضية.. ولتمشي في جنائزه، أحزاب أسسها، بدعم صريح منه، حزب الأحرار، والاتحاد الدستوري، ولم تستطع الحركة الشعبية وقد أنشئت بدعم من محمد الخامس والحسن الثاني أن تتعدى الحجم الذي رسم لها(…) بل أن زعيمها أحرضان أزيح منها بشكل مهين على طريقة الوزير القوي إدريس البصري لتعويضه بشخص العنصر، الذي لم تكن له أية ارتباطات بجذور هذه الحركة ولا بمبررات وجودها، وتم تعيين العنصر، على الطريقة التي فرض بها شباط على حزب الاستقلال.

تتمة المقال بعد الإعلان

وها نحن نعيش عهدا.. انقرضت فيه هذه الأحزاب بعد أن كاد عددها أن يدرك عدد الستين حزبا في القرآن.. ورغم ذلك لم يبق منها، لا المغضوب عليهم ولا الضالين.

وسام الانتصار على الأحزاب المغربية، كلها يمينها ويسارها يجب أن يعلق على صدر الملكية، التي صفت حسابها مع هذه الأحزاب في شكل وصية متوارثة ما بين محمد الخامس إلى محمد السادس، وهي الآن تشرب نخب هذا الانتصار كل صباح، حيث أن جريدة المهدي بنبركة، التي أصبحت تسمى الاتحاد الاشتراكي، تعنون أخبارها الملكية، بعناوين تنطلق من أنشطة “صاحب الجلالة الملك محمد السادس”.

وبصريح العبارة، ألم يكن ملوك المغرب بعد الاستقلال، على حق في تصفية الأحزاب الأولى، التي يكشف لنا أحرضان في مذكراته، وقد عاش تلك المراحل، كيف كان أقطاب الأحزاب، وهم يفاوضون استقلال المغرب سنة 1955، كانوا ينطلقون من حتمية عدم رجوع الملك محمد الخامس من المنفى، بل إن جزئيات الكتاب، تقدم ما يكفي من الأدلة، على الكثير مما نجهله، حين كان المهدي بنبركة، وقبل الانفصال عن حزب الاستقلال، يريد أن ينظم شبه انقلاب على الملك محمد الخامس، ويعتبر ضعفه، أو دماثته، مبررا لفرض هيمنة حزب الاستقلال على النفوذ الملكي، والتفاصيل أيضا تؤكد أن علال الفاسي، كان متفقا مع المهدي بنبركة على طول الخط.

ويعطي أحرضان، في كتابه، من الأمثلة ما يكفي، لدرجة أنه ((التقى بعد الاستقلال، مرة بالزعيم علال الفاسي حين استدعاه الأمير مولاي الحسن، إلى مأدبة غذاء في ثكنة الخيالة بتمارة، في محاولة لمصالحة السياسيين الآخرين غير الاستقلاليين، فكان أحرضان مرفوقا برئيس الحكومة البكاي، والشوري سي محمد الشرقاوي، بارك الله في عمره، وبعد الغذاء، نبه ولي العهد، الزعيم علال الفاسي لبعض تجاوزات الصحافة الاستقلالية تجاه الملك، ليقول أحرضان لعلال: إننا نحترمك، ويقاطعه علال الفاسي: إنك مجبور على احترامي، ويجيبه أحرضان: لماذا الاحترام فما هو دوركم أثناء نفي الملك محمد الخامس، لقد اكتفيت بإطلاق نداء القاهرة من هذه الإذاعة التي تقدم أيضا أغاني أم كلثوم، أليس هؤلاء المرافقون لك هنا، هم الذين أذاعوا برقية استنكار لقنبلة المارشي سنطرال)) (مذكرات أحرضان. 1942-1961).

تفاصيل أخرى تكشف الأخطاء الاستقلالية التي كانت ممنوعة من النشر، حينما كان الحكم السياسي لحزب الاستقلال يأخذ اتجاه الحزب الوحيد، ليترجم أحرضان من الفرنسية إلى العربية في كتابه، مدلول شعار المغرب لنا لا لغيرنا، خلال فترة كان فيها المهدي بنبركة “الذي تأسف – يقول أحرضان – لاختفائه، بصفته الرجل الذي كان بإمكانه أن يقدم للمغرب الكثير، ونعتبر موته خسارة كبرى للمغرب” وليدخل أحرضان في متاهات يكشف فيها جزئيات تنشر لأول مرة، حين كان الملك محمد الخامس، يطلق العنان لأقطاب حزب الاستقلال، وربما خوفا(…) من جبروتهم: ((وهم الذين ذبحوا الباشا البغدادي في بوابة القصر الملكي وقد جاء لتهنئة الملك برجوعه)) وعندما كان البكاي يشكل حكومته ((جاء عنده المهدي بنبركة، وأرغمه على تعيين القايد الحسن اليوسي وزيرا للداخلية))، ((وكان البكاي يريد تعيين أحرضان كاتبا للدولة في الداخلية فيقول له المهدي بنبركة، إن الداخلية تستحق وزيرا قويا(…) لا كاتبا للدولة)) (نفس المصدر).

ذلك أن المهدي بنبركة، كان يخطط لاستقطاب أحرضان للتعاون مع المهدي، في تلك الفترة التي كان فيها المهدي بنبركة، يخطط لهيمنة حزب الاستقلال على الحكم، وتحويل المغرب إلى دولة يحكم فيها حزب الاستقلال تحت أنظار وحياد الملك.

((ذات أمسية، ونحن نتعشى في بيت عبد الرحيم بوعبيد بسلا، ومعنا إدريس المحمدي، مدير الديوان الملكي، ومصطفى بلعربي العلوي ابن شيخ الإسلام، والمهدي بنبركة، ليقول عبد الرحيم بوعبيد لأحرضان: إنك أحق من أي أحد آخر بأن تكون الرجل الثاني مع الحسن اليوسي، وعند نهاية العشاء، أخذت المهدي بنبركة في سيارتي السيطروين، ليسألني في الطريق ما إذا كان من الأفيد، إدخال عمر بنشمسي لتحمل مسؤوليات بجانب وزير الداخلية، ويضيف بنبركة: لماذا يا أحرضان أنت ضد حزب الاستقلال ولماذا كل مرة تتهمني، أتنسى أن المهدي بنبركة هو رئيس حزب الاستقلال)) (نفس المصدر).

أحرضان يكشف كيف أنه في هذه الظروف، التي كان فيها حزب الاستقلال، بصدد محاولة السيطرة على الحكم، كيف أنه أحس بطعنة وجهها الحزب للملك محمد الخامس، أثناء زيارة رسمية لأجدير، في الريف، وهو جالس في المنصة وجماهير حزب الاستقلال تهتف “زعيمنا السياسي، هو علال الفاسي”، ولا يتعلق الأمر بمصادفة ((بل كانت عقيدة ترجمها الاستقلالي امحمد الدويري في كل خطبه التي حضرت إحداها وهو يتحدث عن الأسس: العربية والإسلام والحزب، حزب الاستقلال لأقول له: وأين نسيت الملكية)) (نفس المصدر).

ليلتقط أحرضان، حكمة من فم الشوري الكبير، عبد الهادي بوطالب، الذي قال لأحرضان: ((إذا كنت راغبا في ممارسة السياسة فعلا، فعليك بتأسيس حزب سياسي)).

وليتذكر أحرضان، أيام الاتصالات السرية في باريس قبل الاستقلال ((حينما كنت أسكن والدكتور الخطيب، في غرفة خدامة حارس في إحدى العمارات قرب منطقة “بوادو بولني” غرفة تحت أرضية، فيها فراش واحد، كنت أنام فيه بجانب الدكتور الخطيب، كإخوة توأمين، وكان الخطيب وهو جراح يذهب لتختين الأولاد المسلمين في ضواحي باريس، ويرجع إلى الغرفة محملا، بما تقدمه له العائلات، ومرة ارتأينا أن نذهب للاجتماع بأمين عام حزب الاستقلال بلافريج وكان يسكن في فندق فخم(…)، ولما فاتحه الدكتور الخطيب في ضرورة الدعم المالي لشراء السلاح، سألنا بلافريج: ولماذا السلاح؟)) (نفس المصدر).

أحرضان في ذلك الزمن، لم يكن مشغولا بالقضية الأمازيغية لسبب واحد، وهو ((أن مشروع الباشا الكلاوي لنفي محمد الخامس، كان مسنودا من طرف أغلب البرابر المغاربة(…))).

((القايد أمهروق حفيد موحى وحمو الزياني، الذي مات وهو يحارب الاحتلال الفرنسي، كان هو خليفة الكلاوي في حركته ضد محمد الخامس، بل كان هو العنصر الأكثر تعنتا في هذا المخطط، ليكتشف أحرضان من بعد، أن هذا القايدي يسأله: هل أنت مع الكلاوي في مشروعه وليضيف له: أعلن حربك على الكلاوي وعلى البرابر الذين يؤيدونه جميعا)) (نفس المصدر).

وإذا كانت أغلبية من البرابر، دعمت الكلاوي في مخططه لنفي الملك، فإن أقطاب الأحزاب السياسية، بذلوا المستحيل، من أجل أن يبقى محمد الخامس في منفاه.

يتبع

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى