كواليس جهوية

كواليس جهوية | الإفلاس الحتمي للمنظومة التربوية

   لتأمين مسارات تنموية شاملة واضحة وآمنة لابد لكل دولة من استراتجيات على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وعلى رأسها استراتيجية واضحة المعالم بخصوص المنظومة التعليمية، وسيلة كل وسائل التنمية الشاملة الحقيقية. لكن هل نمتلك رؤيا واضحة لما نريده من تعليمنا في هذا البلد الأمين، العريق التحضر؟ فقد تبين بالدلائل القاطعة أننا أصبحنا نتخبط خبط عشواء، وندور في حلقات مفرغة، أفقدتنا القدرة على التموقع السليم، الذي يعد ضروريا لتحديد الوجهة التي نريدها. كل أطوار التعليم تئن من فرط التخبط الذي طبع تعاملنا مع منظومتنا التربوية منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، بل ازدادت حدّة الدوران في الحلقات المفرغة، إلى الحد الذي أصبحت معه عجلات قاطرتنا التربوية المتجاوزة تدور إلى الوراء، مؤذنة بالعد العكسي لما كنا نتطلع إليه من أهداف وغايات، ليخرج علينا في النهاية من يُنظّرون لتدريس أبنائنا الأمية “الدارجة” بالحروف العربية. نعم، تعلم الأمية بحروف اللغة العربية التي تكلمها العالم “وثائقي إسباني” في زمن الثورات العلمية الرائدة واكتشافات العلماء العرب والمسلمين التي غيرت وجه الحضارة البشرية في القرون الوسطى، وما النهضة الأوروبية والثورة الصناعية في القرن الثامن عشر إلا إحدى تجلياتها.

وعلى نفس النهج الانتكاسي التراجعي، تم إصدار مرسوم “توظيف 500 أستاذ للتعليم العالي مساعد من بين حاملي شهادة الدكتوراه العاملين بالإدارات العمومية” من أجل “تحسين مستوى التأطير البيداغوجي بالتعليم الجامعي وسد حاجة المؤسسات الجامعية إلى الأساتذة الباحثين”. نعم، دكاترة معول عليهم، لـ”تحسين مستوى التأطير البيداغوجي”، كأن الإدارات العمومية عندنا ورشات للتكوين البيداغوجي، فهل من تعليق؟ السي الداودي، كان الله في عونك؛ أظنك لم تجد إلا مخرج الطوارئ هذا لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن أصبحت الجامعة مهددة بالسكتة القلبية بسبب ما تعرفه من اختلالات على كل الأصعدة، وخاصة منها التقلص المثير في عدد الأساتذة الجامعيين بعد كارثة المغادرة الطوعية وكذا بلوغ نسبة كبيرة من رجال التعليم العالي عتبة سن التقاعد. نعم شكلت المغادرة الطوعية أكبر ضربة للتعليم العالي، خاصة وقد انقض على هذه الفرصة نسبة كبيرة من الأساتذة الجامعيين الأكفاء الذين وجدوا فيها فرصة سانحة للفرار من بيئة جامعية أصبحت موبوءة، وتتدهور باستمرار.

 سيادة الوزير، فحتى وإن لم يكن لك الاختيار فيما قمت به، فإن ما أقدمت عليه سيجهز تماما على ما تبقى من صرح التعليم العالي المتصدع وباقي المنظومة التربوية، تبعا لذلك، ولا أظنك تريد أن تكون أنت من تدق المسمار الأخير في نعش الجامعة المغربية.

يبدو أننا قد تخطينا كل الطابوهات في التعامل مع منظومتنا التربوية التي أضررنا بها إلى حد بعيد، بحيث خرج علينا، في آخر المطاف، بعد ما يقارب 60 سنة من الاستقلال، من ينادي بتعليم أطفالنا الأمية “الدراجة” لمحاربة الهدر المدرسي. كما أن ما آل إليه التعليم العالي يتماهى تماما مع هذا النهج المدمر لمنظومتنا التربوية. يا لها من عجائب وغرائب تعدت حدود السريالية، وعليه، فمع السيد الوزير كل الحق في التفكير بفتح أبواب المغرب على مصراعيها للجامعات الأجنبية، ولماذا لا للمدارس الابتدائية والإعداديات والثانويات كذلك. وما دامت منظومتنا التربوية قد بلغت هذا الحد من التدهور والانحطاط، فما علينا إلا أن نتسلح بالشجاعة الكافية، بقدر جرأة من يطالبون بتعليم أطفالنا الأمية، لاتخاذ قرار إعلان إفلاس منظومتنا التربوية، فنعمل على توفير الملايير من الدراهم المخصصة لهذا الغرض وتحويلها للقطاعات الاجتماعية النفعية.

تتمة المقال بعد الإعلان

 أ. د. عبد الله لخلوفي

رئيس مركز الدراسات والأبحاث والتقييم للتربية والتكوين

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى