متابعات | الجزء الثاني من وثائق اتهام عمدة مراكش بالربح على حساب الجماعة

الرباط – سعيد الريحاني
“جناب السيد وكيل الملك، لدى المحكمة الابتدائية بمراكش، يتشرف المحامي الموقع أسفله، بأن يعرض عليكم ما يلي: أولا، إن رئيسة المجلس الجماعي لمدينة مراكش، قد قامت بالترخيص لبناء مركب تجاري على مساحة تمتد لثلاثة هكتارات، بجانب سور تاريخي، دون الحصول على موافقة الجهات المختصة، وعلى رأسها المفتشية الجهوية للمحافظة على المباني التاريخية بمراكش والتي يعتبر رأيها إلزاميا حسب القوانين الجاري بها العمل.. ثانيا: أن شهادة الملكية الخاصة بتلك القطعة الأرضية التي أقيم عليها المشروع، والملاصقة للسور والمسماة دار البارود 2، ذي الرسم العقاري M9155، الكائن بحي أغمات بزاوية سيدي يوسف بنعلي، أنها في ملكية إخوة وأقارب رئيسة المجلس الجماعي التي منحت لهم الترخيص وهم: سعد المنصوري، وزهير المنصوري، وعائشة ميدرة بنت محمد، وهو ما يعتبر في نظر موكلتي، خدمة لمصالح العائلة، واستغلالا للنفوذ من طرف مسؤول عمومي خصوصا أن ذلك المشروع سيدر مبالغ مالية مهمة تقدر بملايين الدراهم، على أرض غير قابلة للبناء، حسب رأي الوكالة الحضرية، وهو ما يفيد أيضا أن رئيسة المجلس الجماعي أعطت فائدة من الجماعة عبر توقيعها لصالح العائلة..”.

الكلام الوارد في الفقرة أعلاه، مقتطف بشكل حرفي من الشكاية التي وضعها المحامي، الحبيب حاجي، لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بمراكش يطالب فيها بالتحقيق في ما سماه في مذكرته “جريمة استغلال النفوذ المنصوص عليها في القانون الجنائي، وخرقا لقواعد الميثاق الجماعي”.
وقد تمكن المحامي الحبيب حاجي وهو واحد من أصحاب “رسالة إلى التاريخ”، ومؤسس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، من وضع الشكاية المذكورة بشكل رسمي لدى وكيل الملك بتاريخ 7 يوليوز 2015، بناء على تكليف من الشبكة المغربية لحماية المال العام، التي وجهت في وقت سابق رسالة حول الموضوع ذاته إلى وزير العدل تطالبه بالتحقيق في نفس الموضوع.
“الأسبوع” كانت سباقة إلى كشف الاتهامات الموجهة إلى المنصوري، في ملف يحمل عنوان: “وثائق اتهام عمدة مراكش بربح الملايير على حساب الجماعة”، نشر في عدد 11 يونيو 2015، لكن العمدة اختارت الهجوم على الجريدة، من خلال بيان وجهته للرأي العام عن طريق قنوات إلكترونية، لا يتابعها أحد، وعبر حملة فيسبوكية، ورغم أن أبواب “الأسبوع” مفتوحة دائما في وجه الرأي والرأي الآخر إلا أن العمدة لم تجد الجرأة لطرق أبوابها، واحتاجت أكثر من 10 أيام، رغم تكوينها القانوني، لصياغة جواب حول الموضوع، نشر في بعض المواقع الإلكترونية، وتم ترويجه بـ”الفيس بوك” ليلا.

تقول العمدة: “إنني كما عائلتي لسنا في حاجة أبدا إلى الاغتناء بالمال العام، ولا يستقيم ذلك مع تربيتنا ورؤيتنا للشأن العام.. إنني في حالة ثبوت مسؤوليتي في أي خرق متعمد ومقصود لخدمة مصلحتي الشخصية أو العائلية من خلال التسيير الجماعي مستعدة للمحاسبة السياسية وللمتابعة القضائية..”.
“الأسبوع” كانت قد أشارت بالوثائق إلى ترخيص عمدة مراكش لأفراد من عائلتها بإقامة مشروع سوسيو اقتصادي، لكن العمدة تقول: “إن الوعاء العقاري الذي تم بناء المشروع فوقه، اقتنته عائلتها منذ سنة 1976، ومساحته ثلاث هكتارات، وقد تم الترخيص له حسب معايير وشروط مخطط التهيئة وفي إطار مسطرة المشاريع العادية بالمدينة، ومن لدن كافة المرافق المتدخلة”.
لم تكذب المنصوري الوثائق التي نشرتها “الأسبوع” لأنها صحيحة، مثل الترخيص الذي وقعته بخط يدها، والتصاميم.. لكنها اختارت كيل الاتهامات، تحت عنوان: “حبل الكذب القصير”، ولم ترد على الأسئلة المطروحة من قبيل: “هل يحق لمسؤول جماعي أن يرخص لعائلته بإقامة مشاريع ذات مدخول مرتفع؟ لماذا لم تحرص العمدة على الحصول على موافقة المجلس الجماعي قبل الترخيص؟ لماذا تفادت هذه المسطرة؟ ألا يدخل ذلك ضمن استغلال المنصب والمسؤولية العامة لتحقيق مكاسب مادية من خلال قرارات المؤسسة العمومية؟ (العمدة هي التي وقعت على الترخيص).
ولعل العمدة تعرف أكثر من غيرها بكون أن المشروع المذكور، سبق التقدم به عدة مرات وتم رفضه من طرف المجلس الجماعي، ومازال الناس يذكرون والدها السفير المنصوري بخير، لأنه لم يتدخل بنفوذه لانتزاع هذه الرخصة، بخلاف ابنته التي وقعت على الترخيص، والتصاميم دون تردد.
وتؤكد الوثائق التي حصلت عليها “الأسبوع” أن المشروع الذي ينتظر أن يدر على عائلة المنصوري أرباحا تقدر بملايين الدراهم، كما ورد في الشكاية الموجهة إلى وكيل الملك، مرفوض بشكل مطلق من لدن وزارة الثقافة، بل إن مفتش المباني التاريخية والمواقع بجهة مراكش – تانسيفت – الحوز، واسمه عبد المنعم جمال أبو الهدى، سبق أن وجه مراسلة إلى العمدة فاطمة الزهراء المنصوري بتاريخ 29 يناير 2013، تحت عدد 17، يقول فيها: “إن المفتشية لم يسبق لها أن وافقت على إحداث أي من البناءات حول إحداث مركب سوسيو اقتصادي بجوار سور مراكش التاريخي قرب باب أغمات”.
المسؤول الإداري نفسه، وجه رسالة إلى مدير الوكالة الحضرية بمراكش بتاريخ 29 أكتوبر 2013، يوضح له فيها: “إن المشروع المزمع إقامته من لدن أحد الخواص يقع في منطقة حماية السور التاريخي بموجب القوانين التالية، الفقرة 3 من الظهير الشريف الصادر بالجريدة الرسمية عدد 423 بتاريخ 30 نونبر 1920 صفحة 2017، والفقرة 11 من القرار الوزاري الصادر بالجريدة الرسمية عدد 667 بتاريخ 4 غشت 1925 صفحة 1309″، ويضيف ذات المصدر: “إن احترام منطقة حماية السور التاريخي من المعايير المعتمدة في تصنيف مدينة مراكش منذ سنة 1985”.

وتؤكد مصادر “الأسبوع” أن مفتشية المباني التاريخية، كانت قد رفضت المشروع بالصيغة المقدمة لها في إطار الاجتماع المنعقد بتاريخ 27 دجنبر 2012، وكانت نفس الجهة قد نصحت العمدة، بضرورة استصدار قرار وزاري يقضي بتقليص المسافة القانونية داخل منطقة حماية السور التاريخي عبر المقطع الممتد من برج ابن البناء حتى باب أغمات في حدود 65 مترا عرضا، وإحداث منطقة منزوعة البناء، داخل المقطع وفقا للإجراءات والمساطر الإدارية، والقوانين الجاري بها العمل في هذا المجال..”.. والمشروع الآن في طور البناء، وتؤكد جل المصادر أن هذا الترخيص الوزاري غير موجود.
قد يقول قائل، مثلما تقول العمدة إن المشروع أقيم فوق أرض توجد في ملكية عائلة المنصوري، لكن ما الذي دفع كل المسؤولين الذين تعاقبوا على ولاية مراكش، سواء في عهد محمد حصاد عندما كان واليا في مراكش، أو في عهد الشرايبي، إلى رفض الترخيص لهذا المشروع المثير للجدل؟
الجواب من الوثائق، يؤكد أن الترخيص للمشروع السالف الذكر لم يحصل على تزكية، جميع الأطراف المتدخلة، كما هو معمول به، كما أن المقارنة بين شهادات الملكية، الصادرة عن المحافظة، يكشف وجود “تقييد احتياطي لصالح مدينة مراكش ضد عبد الرحمن المنصوري، وعائشة ميدرة”، لكن لا أحد يعرف ظروف اختفاء هذا التقييد الاحتياطي، علما أن أصحاب المشروع حصلوا على قرض كبير من البنك، قدره 2 مليار و800 مليون.. وحدها العمدة وعائلتها يعرفون القصة، وهم وحدهم يعرفون إن كان الأمر قانونيا أم لا..
ألا يتضمن المشروع مخالفة صريحة لقانون التعمير؟ كيف يمكن الترخيص لحفر طابق تحت أرضي بجوار السور التاريخي؟ لماذا يتم الترخيص لعائلة المنصوري وحدها بإقامة مشروع من هذا النوع في مراكش؟ كيف تم حذف التقييد الاحتياطي لصالح مدينة مراكش من شهادة الملكية؟ وما علاقة ذلك بالقرض الممنوح من طرف البنك؟ كلها أسئلة مطروحة للبحث عن الحقيقة في مشروع مثير للجدل.. وهي جزء هين من الأسئلة التي قد تطرحها المحكمة بعد دخول الشبكة المغربية لحماية المال العام على الخط، وبعد أن تكلف بالملف محامي مثير للجدل اسمه الحبيب حاجي، وهو معروف بصراعه مع أصحاب النفوذ(..).
يذكر أن عمدة مراكش، كانت قد اختارت الرد على “الأسبوع’ الصحفي، في بيان موجه للرأي العام، وأدلت ببعض التوضيحات في ما يتعلق بخروقات شركة الصابو، وطريقة توزيع المنح من لدن المجلس الجماعي، والتي قيل فيها الشيء الكثير، لكن العمدة كان عليها أن تكذب المواقع والجرائد التي سبق أن أثارت هذه الموضوع، على اعتبار أن “الأسبوع” لم تنشر إلا ما نشر في هذه المواقع.. أما في ما يخص “دار البارود”، فـ”الأسبوع” تمتلك الوثائق التي تؤكد أن “الحبة والبارود، من دار المجلس الجماعي”، وللمحكمة الموقرة واسع النظر، للتحقيق في الشكاية المرفوعة من طرف الشبكة المغربية لحماية المال العام.