الـــــــــــرأي | يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!! – الحلقة الرابعة
قد يتساءل القراء الأعزاء لهذا الركن عن الدوافع التي جعلتني في عهد الصبا اخترق عالم السحر والشعوذة وأتصدى لمحاربته بوسائلي الخاصة، وبما أن الإنسان ابن بيئته فقد تربيت وترعرعت بين أحضان وفي كنف الكشفية والمدارس الحرة التي كانت الأحزاب الوطنية تشرف على تسييرها، والذي يعرف مبادئ المثل العليا التي جاء بها وبثها المصلح الاجتماعي الكبير “بادن باول” مؤسس الكشفية العالمية في القرن الثامن عشر يدرك مدى تأثير هذه المبادئ على تربية وسلوك كل منخرط في صفوف الكشفية حيث كنت أشارك كل أسبوع في الاجتماع التكويني الذي كان ينعقد بمقر الكشفية فتدرجت من رتبة “الجراميز” إلى درجة “النمور”، وكان قائد المقر يحثنا في كل اجتماع على القيام بأعمال الخير والإحسان ويطالب فيها بالتباري بحيث يقدم كل واحد منا عدد الأعمال الخيرية التي قام بها في الأسبوع فإذا أضفنا هذا الالتزام إلى ما كان أساتذتنا يلقنونا من أخلاق فاضلة ترمي إلى محاربة العادات والتقاليد الدخيلة على الإسلام وأدركنا درجة الوعي، وحسن الأخلاق والسلوك الذي كان الكشاف يتحلى بهما، وهكذا كنا ننهل من ينابيع هذه الفضاءات التي كان تنجب أجيالا صالحة تتطوع لمحاربة الفساد والمفسدين وفي مقدمتها أعمال السحر والشعوذة وكل من شأنه الإساءة إلى الإسلام، وقد تسلحت بهذه المحفزات للاطلاع على خبايا عالم السحر والشعوذة قبل التصدي لها ومحاربته، ولقد سبق لي أن كشفت لكم مغامرتي مع خالتي زهرة “الشوافة” التي تأكدت من خلال الاحتكاك بها أنها لا تعتبر ولا تدخل في خانة الساحرات أو المشعوذات لأنها تكتفي بالتنبؤات والتخمينات من خلال استقراء أوراق “الكارطة” وعلى الزبناء القاصدين إما أن يتيقنوا ويصدقوا ما قالته هذه الاستطلاعات الاستكشافية وإما أن يسخروا منها ويعتبرونها عملية تنجيم مصداقا للحديث النبوي الشريف: “كذب المنجمون ولو صدقوا” وهنا يحق لنا التساؤل: هل يجرم القانون “الشوافات” في أوراق “الكارطة”؟(..) وإذا كان العمل من هذا القبيل مخالفا للقانون، فماذا يكون مصير “الشوافات” التي تعج بهن ساحة جامع الفنا بمراكش واللواتي يحتلن الحيز الكبير من هذه الساحة إلى جانب النقاشات، وتشكل هذه الفئة من النساء مرتكزا تعتمد عليه السياحة المغربية لجلب السياح إلى جانب مربي القردة والأفاعي والثعابين.
والحالة أن بلادنا التي حباها الله بمناظر خلابة لأنها تتوفر لغيرها من البلدان إذ تعتمد سياحتنا على ما تزخر به بلادنا الضاربة جذورها في عمق التاريخ بدلا من تلك المناظر المنسقة التي يشاهدها السياح في مراكش والتي تعتبر وصمة عار في جبين المغرب الحديث، ولا ننسى ما حدثتكم عنه من أعمال الشعوذة التي تقوم بها خالتي فاطمة المختصة في إبطال مفعول السحر الخاص بما يعرف بـ “التقاف” حيث تؤكد هي الأخرى أنها لا تقوم بعمل يؤدي الناس. الأمر الذي جعلني أتودد لها وأكثر من زيارتي لها لتطلعني على أعمال الشعوذة المضرة بالإنسان، لأنني سبق أن هددتها ضمنيا بالتشهير بها إن هي امتنعت عن إفادتي وتنويري في هذا المجال، وهكذا أخذت خالتي فاطنة تطلعني على أشياء مهولة من أعمال السحر يشيب لها الولدان، حيث فسرت لي لماذا تلجأ بعض الساحرات إلى إخراج بعض الجثامين من القبور بعد دفن الميت خلال الأسبوع الأول من وفاته لاستعمال يده اليمنى في تحضير أكلة الكسكس الذي يتحول آكله من الأزواج إلى إنسان طيع تسخره الزوجة وتتصرف به كالخاتم في أصبعها، ومن بين الوسائل التي تستعملها بعض الساحرات، “مخ الضباع” الذي إذا تناوله الزوج يصبح “مضبوعا” كما يقول المثل، يمتثل لأوامر الزوجة ولا يخالف لها أمرا.
أما الأدهى والأفظع ما حكاه لي أحد أفراد عائلتي وهو من المولعين بصيد السمك، حيث قال كنت ذات يوم كعادتي أجلس على كرسيي الصغير وأتابع حركات صنارتي مع تلاطم أمواج البحر، ومن عادتي أن أضع السمكات التي أصطادها في إناء مملوء بماء البحر ليبقى السمك طازجا إلى أن أنتهي من عملية الصيد فأخرجه من الإناء وأضعه في سلة من القصب وأذهب إلى منزلي، وإذا برجل يقف ويحملق في سمكة متوسطة الحجم من نوع الشرغو وتتحرك في الإناء، ويقول لي أرجوك أن تبيعني هذه السمكة فأجبته أنني لا أبيع الأسماك التي أصطادها وإنما أنتشي بأكلها مع أفراد عائلتي، فاقترح علي مائة درهم فرفضت وسار يساومني إلى أن وصل إلى أربعة مائة درهم، ثم أخذت زوجته التي كانت ترافقه في التوسل لي لأستجيب لرغبة زوجها، وأمام هذا الإلحاح رضخت للطلب، فسارع صاحبنا إلى أخذ السمكة بسرعة فائقة وفتح فمها وتبول فيه وألقى بها إلى أمواج البحر، فاستغربت لهذا الأمر وسألته عن الفائدة من ذلك فتكفلت الزوجة بالجواب وقالت لي إن زوجها يعاني من “التقاف” منذ مدة وأن الفقيه أوصى بذلك لإبطال مفعول السحر. وقد فاتني أن أتعرف على اسمه وعنوانه لمعرفة النتيجة، هل أفلح الساحر؟
الله أعلم.
الحسين الدراجي