الأسبوع – محمد بركوش
لم يترك المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير والشركة العقارية العامة التابعة له فرصة تدشين المنطقة الصناعية المندمجة للقنيطرة (الأسبوع الماضي)، لم يتركها تمر دون أن يسجل من جديد حضوره القوي كمسؤول عن قطب اقتصادي واجتماعي كبير، ينظر إليه المواطن والمسؤولون اليوم نظرة تفاؤل كبير عوض النظرة السابقة التي كانت تحمل الكثير من اليأس والتشاؤم والغضب أحيانا.
التصريح الصحافي الذي خرج إلى العلن بالمناسبة (الثلاثاء الماضي)، والذي توصلت بنسخة منه رسم صورة جديدة وواضحة عن تحركات المدير العام عبد اللطيف زغنون وتطلعات المؤسسة العملاقة التي حظيت في شخص مديرها العام بشرف تتبع عملية تدشين المنطقة الصناعية المندمجة، وانطلاق أشغال بالمنطقة الأولى، وهي منطقة حرة موجهة نحو التصدير، على خلاف المنطقة الثانية المنتظر البدء فيها قريبا، والتي “تشتغل في إطار النظام العام، وأنشطتها موجهة أساسا إلى السوق الداخلية”.
التصريح الصحافي الذي تلقفته جل المنابر الإعلامية والشخصيات المهتمة عَدَّدَ بشكل دقيق المنجزات التي رأت النور في العهد الجديد، وهي منجزات كما قال المدير العام “مشجعة للغاية” حيث تم الاتفاق على عشرين مشروعا، زيادة على وحدات صناعية “تتولى نشاطها في عدة ميادين منها أنشطة مرتبطة بصناعة السيارات، توفر لوحدها 11 ألف فرصة عمل” وهو رقم استحسنته المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، واعتبرته قياسيا مقارنة مع قطاعات أخرى، يشغل بالها أمر “البطالة وقلة الشغل”، ولذلك أشاد المدير العام بالحصيلة، ورأى فيها دافعا ومحفزا على القيام “بدراسة تقنية لإطلاق أشغال الشطر الثاني للمنطقة الحرة”، والذي يعتبر في نظر المسؤول “ثمرة شراكة بين الدولة وصندوق الإيداع والتدبير من خلال فرعه ميدز التي يقوم بتهيئة وتسيير المناطق الصناعية الحرة في جميع أنحاء المملكة السعيدة”.
لقد تأكد الحاضرون لعملية التدشين الكبرى من إصرار المدير العام على أن يصنع له مرة أخرى مكانة خاصة “مرموقة” على حد تعبير أحدهم، وأن يحقق مكاسب جمة بفضل تعامل وإخلاص مجموعة من الأطر الكفؤة والنزيهة، والتي كانت قبل مجيء السيد عبد اللطيف مغمورة بسبب مثاليتها ومعارضتها لكل ما هو بئيس في المردودية، وبعيد عن مصلحة المؤسسة المستمدة من مصلحة المواطن، تأكدوا من تحركاته البارعة في اتجاه خلق نموذج يصرخ بالعطاء، ويتميز باختراق كل المشاريع الكبرى العائدة للمؤسسة وإحصائها بشكل جدي، لا تغيب معه فرص الكسب وأيضا فرص الاستفادة، استفادة المواطن الذي ينتظر معاشا مريحا يحفظ له ماء الوجه وما تبقى من الكرامة المهدورة بفعل سنين العمل بالإدارة، وكذا اليتيم الفاقد للمعيل والسند وكل شيء سوى ما تخلفه “الدية” أو التعويض حسب المفهوم القانوني، كما تلمسوا عن قرب إلحاحه على التركيز الجدي والمدروس على استراتيجية واضحة تساعد في “تحقيق هوية اقتصادية لمؤسسة مؤتمة على معاشات العمال والموظفين والأيتام والأرامل”.
إن الذين استمعوا بإمعان وقرأوا التصريح بمهل أدركوا بالبداهة وبالمنطق أيضا أن المدير العام لا يمضي ولا يسير جسما اتفق عليه الآخرون أو سطره السابقون في غياب أية استراتيجية أو حكامة أو ترشيد، بل على العكس من ذلك جلس مهلا عند تعيينه وفكر طويلا واستشار المختصين وذوي الخبرات ثم انطلق به السير في اتجاه معلوم به تشوير مستقبلي، بعد أن طبع على مشروع واضح غير قابل للمزايدة لتدبير مرحلة من أصعب المراحل وأيضا من أهمها꞉ تحتاج إلى عمل جبار ومجهود مضاعف لإخراج مؤسسة كما قلت سابقا من دائرة العتمة (أو عنق الزجاجة) بسبب الاختناق المالي، وهذا طبعا ما تجلى وظهر للجميع، إذ إن ما قام به المدير العام الجديد وفي فترة وجيزة لا تكفي عند البعض حتى (لتسخين البلاصا) وإعادة تأثيث المكتب بالناموسية والحمام)، قلت إن ذلك يؤكد بالملموس أن الرجل يعيش على أعياد العطاء ومواسم البذل خارج أي توقيت أو تحديد أو مناسبة، يعيش عليها من كل العاملين معه من رؤساء مصالح وأقسام وموظفين وأعوان وخبراء، الذين ينظر إليهم كمدى لا تحده اللمحة العابرة يقدر ما يتمدد على طول الخط المستقبلي الذي يتمنى المغاربة أن يكون مستقيما وبلا اعوجاج.
لم يكن للمدير العام السي عبد اللطيف الذي حظي بشرف المثول بين يدي الملك محمد السادس يوم تعيينه، وكذا أشرف حضوره إلى جانبه حفل التدشين بالقنيطرة لم يكن له سوى حلم متجذر (كما قلت سابقا) في ذاكرة لا تفتأ ترسم الخطوط الملونة (الوردية على الخصوص) في كل المحطات التي مر منها دون أن يترك لسماحته الإنسانية وصمته أي صدى مؤلم أو أذى مقلق، حلم راوده منذ أن كان يهاجر أقرانه مقلدا الكبار في فترة طفولته حكى عنها مرارا وعن براءتها ولعبها الجميل والممتع مع الجماعة، والتي جذرت في نفسه مبادئ التسامح والتضامن وحب الوطن والتفاني في خدمته بكل مسؤولية وبكل أمانة بعيدا عن الأنانية والحفر عن المصالح الخاصة، هذه الأخيرة التي كان دائما يعاديها ويرمي بها وراء ظهره سواء عندما كان مديرا عاما للجمارك أو الضرائب أو قبل ذلك، أي قبل أن يدخل دائرة المسؤولين الكبار الذين تعتمد عليهم الدولة، وينتظر منهم الوطن الشيء الكثير.