الحـقــيقة الضــــائعة | حرب النساء لم تندلع بعد في المغرب


أكيد، أنه لو لم تكن هناك حتميات ديمقراطية، فرضت على المغرب، أن تصبح النساء وزيرات، لما حصلت مصادفة مشروع زواج وزير بوزيرة، ولما وجد أي وزير “قيس”، “ليلى” وزيرة، كما أنه لو كنا نطبق أسس الديمقراطية بحذافيرها، لما كان هناك ترخيص بتعدد الزوجات، لا جوج ولا ربعة (انظر الحقيقة الضائعة العدد الماضي)، فالديمقراطية الحقيقية، تتناقض مع التعددية(…) وفي الدول التي سبقتنا للديمقراطية، يعاقب بالسجن، من يثبت في حقه أنه متزوج بامرأتين، رغم شيوع الأفكار الديمقراطية في الرصيد التاريخي المغربي، الذي خلف لنا مثلا، في موضوع تعدد الزوجات، يقول: ((اللي علق جوج نسا فلهاتو، عزيوه يا ناس فحياتو)).
الديمقراطية إذن، لازالت على طرفي نقيض مع التقاليد المغربية، وبصراحة لازلنا بعيدين عن الديمقراطية في الكثير من الحالات، فإن إحدى أعظم دول الدنيا، علما، ومالا، وسكانا، الصين، لازالت تعطي الأسبقية للتقاليد الصينية على التجديدات الديمقراطية، ويلخص مفكر صيني مبررات هذا التناقض، بين الديمقراطية والتقاليد التاريخية، حين قال: ((الحمار(…) يمشي مستقيما، سريعا، عندما يكون صاحبه راكبا عليه، وبطيئا يحتاج إلى السوط ليمشي، عندما يشعر بأنه لا أحد يركبه)).
فمبدأ تعدد الزوجات، إذن، متناقض مع المبادئ الديمقراطية، وإن كان المغرب منذ قرون وأجيال سعيدا بتقاليده التي لا علاقة لها بالأفكار الديمقراطية العصرية.
ويحفل تاريخ المغرب بتقاليد، كان فيها المغرب، على أحسن ما يرام، عندما لم يكن في التشكيلة الحكومية وزيرات، ولا في أجهزة الداخلية واليات. فقد أعطى الله للنساء، ميزات كانت تجعلهن أقوى من الوزراء، بل وتتحكمن حتى في السلاطين، فأحرى الوزراء.
ومن أغرب مخلفات التاريخ المغربي، أن أغلب النساء المغربيات اللواتي ذكرهن التاريخ، كانت نساء القصور، هن اللواتي فرضن إرادتهن على السلاطين، خصوصا، وأنه حتى إلى أيام السلطان الحسن الأول، كانت القبائل المغربية، تتسابق على إهداء السلطان، أجمل وأعقل بناتهن، أملا في أن تتحول بناتهن مستقبلا، إلى نساء قويات.
وكان السلطان مولاي سليمان، واحدا من النماذج التاريخية التي تهيمن فيها النساء على شخصية السلطان، فقد كان هذا السلطان الملتزم، الفقيه، الناصح، مهووسا بقضية النساء، توجه يوما في إطار الطقوس المخزنية الكبرى لأداء صلاة الجمعة، في مسجد بسويقة الرباط، كان مسجدا صغيرا مهملا يحمل اسم مسجد مولاي سليمان، ولازال إلى اليوم ((وبعد أن أدى السلطان صلاة الجمعة وخرج ليركب حصانه، لمحت عيناه إحدى الفتيات، كانت بين النساء اللواتي تزغردن حسب التقليد، لمرور الموكب السلطاني، فنادى على مدير تشريفاته، وأشار إلى تلك الفتاة(…)، وقال له: اسأل لي عنها، وفعلا قدم له مدير تشريفاته كل المعلومات عن تلك الفتاة فاستدعاها السلطان مولاي سليمان وتزوج بها، وكان بالقرب من ذلك المسجد، موقع حوله الرباطيون إلى مزبلة، بجانب المسجد، فعندما سمع سكان الرباط، أن السلطان تزوج بنت الشعب، أضاف المتحاملون الرباطيون، وما أصعبهم: إن السلطان تزوج بنتا من الزبالة. ليسمع السلطان بالشتيمة، ويخطط للرد على الرباطيين، فقد أصدر أوامره في أيام قليلة بتوسيع المسجد، وإحاطة صوره بالموقع الذي كان زبالة، وأعطى للمسجد رونقا، وقرر بنفسه رئاسة حفل تدشين المسجد الجديد، وبعد الصلاة نادى على مساعديه، ليسألهم أين الزبالة.. فيقولون له: لقد اختفت يا مولاي وتطهر موقعها وأصبح جزءا من المسجد، فأجابهم، كذلك زوجتي وقد أصبحت طاهرة)) (نساء بدون حجاب. محمد بركاش).
مولاي سليمان هذا، لم تكن له زوجة واحدة، بل أكثر من أربع، ومرة – ورغم ذلك – سمع بجمال فتاة ليبية، من عرب الحنانشة، ليخبروه بأنها ابنة السلطان الليبي، سيف النصر الكبير، وفي صيف 1811، تحركت من ميناء طرابلس، باخرة عظمى تحمل ابنة السلطان الليبي، الزوجة المقبلة للسلطان المغربي مولاي سليمان، وصلت الباخرة إلى ميناء العرائش، حيث استقبلت الزوجة الملكة، من طرف تشكيلات عسكرية، وتم استقبال العروسة الملكية، بالمعزوفات الموسيقية العسكرية إضافة إلى ما رافقها من عساكر وفرق موسيقية، في حفل ترأسه باشا مكناس، الحاج الطاهر بادو.
لولا أن الوهن(…) تغلب على السلطان مولاي سليمان الذي مات بعد وفاة زوجته الأميرة الليبية، في 22 نونبر 1822.
امرأة أخرى تكلم عنها التاريخ المغربي ولازال، لأن اسمها الباهية، أطلق زوجها الرجل القوي باحماد اسمها على قصره بمراكش، قصر الباهية، الذي لازال موجودا إلى الآن، وقد لعبت أدوارا سياسية في تركيب عظمة باحماد، الذي كان أهم من الوزير الأول بكثير، وزوجته الباهية عمرها اثنان وعشرون سنة، لولا أنها كما قالت كتب التاريخ، ماتت بالحزن(…) في سن 24 عاما، وإن كان الهوى والشباب لا يكفيان للدخول إلى محافل التاريخ، فإن نساء مغربيات كثيرات دخلن للتاريخ، مستفيدات من ظاهرة تعدد الزوجات حسب التقاليد السلطانية، لأن نساء زمان، كن يبحثن عن المجد داخل القصور السلطانية، بدل البحث عنه في البنائق المخزنية، أو في خضم المزاحمات البرلمانية.
لنفهم خبايا ومبررات، هذا الفشل الذريع، الذي واكب الانفتاح الديمقراطي، وتهافت كثير من السيدات على اقتعاد مواقعهن في صفوف مكاتب الأحزاب، للوصول إلى البرلمان، أو إلى عضوية الحكومة، حتى أصبح بعض قادة الأحزاب، يدفعون بالمتنورات في صفوف حزبهم، لاقتعاد مناصب وزارية، لولا أن التجربة، وخاصة في الحكومة الحالية التي ارتفع فيها عدد النساء الوزيرات، لدرجة قياسية، جعلتنا لا نسمع شيئا أو نكاد، عن إنجازات، أو خطب، ولا حتى تصريحات أية من السيدات الوزيرات، المحتميات هن أيضا بقانون الخوف من فقدان المنصب.
كذلك على الصعيد الحزبي، وقد كانت عضوة حزب التقدم، نزهة الصقلي هي الوزيرة المغربية الأولى، المتمتعة بنصيبها من الكعكة الديمقراطية.
لتبقى الرئيسة المنتخبة لهيأة رجال الأعمال(…) مريم بن صالح النموذج الاستثنائي، في مجال المسؤوليات النسائية، لأنها لم تصل عن طريق السياسة ولا الحزبية، وإنما عن طريق ثروتها التي خلفها لها والدها المرحوم، الحاج عبد القادر بن صالح، وتظهر ضخامة هذا الاستثناء النموذجي، أمام سيدة أخرى، الرحمانية فاتحة العيادي التي كانت ترى أبواب الوزارة والمسؤولية، مفتوحة لها بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، بعد أن كانت من أوائل اللواتي حجزن موقعهن بجانب مؤسس الحزب، فؤاد الهمة، ولكن يظهر أن المخزن ونفوذه، مثل بعض الأحزاب السياسية، لم يبق لهما ذلك المجد المتطابق مع الانفتاح الديمقراطي، ليبقى التفسير الوحيد، وهو أن السيدة المغربية، يجب أن تنطلق في البحث عن مكانتها في المسؤولية، من قوة شخصيتها وحزمها في إطار النضال السياسي مثل مدام لوبين في فرنسا، ومدام تاتشر في إنجلترا، ومثل المستشارة الألمانية الكبرى ماركيل، بدل الركوب على خيول السياسة أو النفوذ المخزني، هذه الخيول، التي كانت قديما زاهية مسرجة ، فأصبحت أشبه في ضعفها بضعف البغال، رغم أن البغال نفسها، كانت أيام مجدها، زاهية بسرجها أيام البغلة المسرجة.
وبصرف النظر عن النماذج الحزبية أو الحكومية التي لم تسمح للسيدات بالتخلص من الرفض المجتمعي(…) للنساء، هناك نموذج لسيدة أخرى، دخلت أمجاد البيزنس عبر علاقتها مع واحد من أثرياء السعودية، المواطنة غيثة بنيس، وقد شغل اسمها الملك القوي الحسن الثاني، الذي منعها خلال فترة معينة من دخول المغرب، وربما لقوة إرادتها، ليتوسط لها أحد رؤساء الدول الإفريقية، الحاج عمر بونغو، وتعود للمغرب مستشارة مقربة، للثري السعودي، أكبر رجال المخابرات السعودية، أيام الحسن الثاني، الشيخ كمال أدهم.
وكان قد اشترى في المغرب، واحدا من أكبر فنادق تارودانت المسمى “فندق غزالة الذهب”، الذي أسلم إدارته وتسييره لهذه السيدة القوية، وربما كان الشيخ كمال أدهم، على صلة وثيقة بالسيدة المغربية غيثة بنيس، التي أصبحت صاحبة الفندق، حتى بعد وفاته، لتفاجأ غيثة بأولاد الشيخ أدهم ينازعونها عبر القضاء، في ملكية ما يعتبرونه إرثا لوالدهم، وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة، خاضت غيثة بنيس، حربا قضائية مع ورثة الثري السعودي، في صراع ساندها فيه المخزن بوسائله الخاصة، لدرجة أنه قبل إحدى الجلسات نشرت الصحف المغربية، بلاغا للتشريفات الملكية، بتوشيح السيدة غيثة بنيس، بوسام رفيع، لولا أن الوسام لم ينفع السيدة غيثة بنيس، وصدر في الأسبوع الماضي من هذه السنة 2015، حكم من المجلس الأعلى للقضاء، بإلغاء الأحكام الصادرة لفائدة غيثة بنيس في مواجهة الولد الأكبر للثري السعودي الراحل، مشعل أدهم، الذي سيطوي أحلام غيثة بنيس، في ثنايا مأساة اجتماعية، خليقة بأن تكون موضوع فيلم سينمائي.
حروب النساء في جنبات القصور، ربما كانت ناجحة، أما حرب النساء المغربيات المعاصرات من أجل بلوغ سدة الحكم، فهي حرب لم تبدأ بعد.