الفراغ والتذبذب والتهاون وأيضا غياب الكفاءات المتبخرة في دبلوماسية الشعوب جعلوا من العاصمة، مدينة لا تأثير لها وغير معروفة لدى العواصم الإفريقية، والاتفاقية الوحيدة اليتيمة كانت بين الرباط وعاصمة الطوغو مدينة لومي ووقعت في التسعينيات من القرن الماضي، والمنتخبون يتابعون دون شك التحركات الدبلوماسية الرسمية، وهم يعرفون بأن المملكة تقود سياسة التواجد والتعاون في بلدان إفريقية، وتنظم ندوات ولقاءات ومعارض للتعريف بما تزخر به من إمكانيات لمساعدة الدول في تطوير فلاحتها واقتصادها وإداراتها ومرافقها الصحية، وهذا التحرك يبقى ناقصا إذا لم تواكبه تحركات من الدبلوماسية الشعبية وبالضبط من المجلس الجماعي الذي ينفق الأموال الطائلة في حضور لقاءات أوروبية ومؤتمرات عربية، والكثير منها تكون فرصة للسياحة والتسوق، بينما مستقبل المملكة اليوم في إفريقيا السمراء.
وسنعطي مثالا واضحا، فبعد التآخي مع مدينة “لومي” قدمت عمدة هذه العاصمة طلبا وكانت امرأة قوية أخت رئيس الجمهورية، تلتمس فيه مساعدات عبارة عن “طاولات وكراسٍ وسبورات” لتجهيز مدارس المدينة، وكان رد وفد بلدية الرباط: “سيدتي سنلبي طلبكم ونوفر لعاصمتكم وكل المدن الطوغولية ما تحتاجه من تجهيزات مدرسية، فأنت يا سيدتي بلدكم جميل كله غابات وأشجار، وسنبعث لكم عمالا ماهرين لتكوين نجارين وسنزودكم بالآلات الضرورية، وعنكم الخشب من الأشجار”، وهكذا كان، أوفدت بلدية الرباط وفدا من المعلمين النجارين وكونوا العشرات من الشباب للقيام بأشغال كانوا يجهلونها.
وبلد آخر، وهذه المرة عربي، التمس من بلدية الرباط مساعدة تتكون من أحزمة للحرس البلدي، وكان الجواب: “عندكم ثروة حيوانية مهمة يمكن من جلودها صنع أحزمة، وسنبعث لكم صناعا تقليديين لتكوين مكونين لتعليم هذه الصنعة”، وأمثلة كثيرة ساهمت فيها الدبلوماسية الشعبية للمنتخبين، لتعزيز وتمهيد الطريق للدبلوماسية الرسمية.
فبلدية الرباط ليست كسائر البلديات؛ إنها مركز الدبلوماسية الرسمية والسفارات، وعليها واجب القيام بأدوار مد الجسور بين الشعوب الإفريقية والشعب المغربي، خصوصا وعمدات العواصم في إفريقيا، يكونون نافذين ومقربين من مصادر القرارات، فلا يكفي الرباط أن تكون عضوة في منظمة المدن الإفريقية بل عليها أن تقترب من الشعوب عبر عواصمها، إننا نجهل كل شيء عن العواصم الإفريقية، وتجهل هذه العواصم كل شيء عن عاصمة المملكة، وهذا هو فشل المجلس الجماعي في إفريقيا.