بعدما تعرت عن الجسم المغربي شوائب الصباغة الخارجية من مخالفات وخروق وأخطاء سياسية، تعرى الواقع وظهر المغرب على حقيقته حيث برز الواقع الاقتصادي هو المهيمن.. وهو حقيقة الجلد المغربي.. وتشكل الأبناك في المغرب المشكلة الكبرى في الاقتصاد المغربي، حيث يجري في غياب الشفافية والمتابعة الإعلامية زخم من الأحداث الغارقة في بحر من آلاف الملايير، وأصبح عالم التعامل بين بنك المغرب والأبناك عالما آخر.. أهم ما يطبعه هو ما أدى ببنك المغرب إلى فرض عقوبات بعشرات الملايير على الأبناك، التي تتعدى حدودها تحت تأثير الضغوط والمحسوبيات.. بينما رئاسات الأبناك عادة أقوى من ولاية بنك المغرب.. وفي الاجتماع، الذي ترأسه وزير العدل في إطار “الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي”، في الأسبوع الماضي بتحضير من هيأة الأبناك، قال قيدوم البنكيين، عبد اللطيف الجواهري، ما يوجز المقصود من ذلك الاجتماع في كلمتين: الزبناء ضربهم الله.. ولكن رئيس أكبر بنك في المغرب، أصدر هذا الحكم في غياب مندوبي الزبناء الذين لم يستدعوا لذلك الاجتماع، كما قال الأستاذ “بوزيان”، ورفعوا رسائل احتجاج لعدم وجود أي مندوب حتى عن أية غرفة تجارية.. وكان الهدف من ذلك الاجتماع هو استنجاد البنكيين بوزير العدل لإصدار قرارات بتأسيس محاكم تجارية “تقج” المتعاملين مع الأبناك.. وتصدر أحكاما بحجز الأموال بمجرد اطلاع القاضي على كشف الحساب.. بينما هذه المحاكم في فرنسا مثلا يحضرها أعضاء من الغرفة التجارية، ولذلك انعقدت الندوة في غياب ممثلي التجار والغرف التجارية.
“الجواهري عبد اللطيف” سجلوا عليه أنه لمح إلى أن الاقتصاد المغربي يتكون من عائلات مغربية وشركات أجنبية، ولكن المعهود هو أن العائلات المغربية “أكلت الاقتصاد المغربي” وأن الأبناك اليوم تريد مسح أسباب أزمتها في الزبناء.. خصوصا أولئك الزبناء الذين سلفتهم الأبناك ثلاثين أو أربعين مليارا.. أي نصف رأسمال بعض الأبناك نفسها.. ومن حسن الحظ أن الضحك عادة، يأتي ليفصل بين أزمة وأزمة.. كذلك الضحك الذي غطى القاعة حينما قال رئيس الشؤون المدنية الأستاذ بشر للرئيس مولاي هاشم العلوي: قف يا جناب الرئيس لإلقاء كلمتك، فأجابه الرئيس الأول بالقنيطرة: “الرئيس يكون دائما جالسا”.. لقد كان القضاة جميعا، فعلا جالسين، ولكن على مدارج الطلبة في الصفوف الخلفية، وجماعة منهم في قاعة أخرى يتتبعون الجلسات بالتلفزيون. ومعلوم أن التلفزيون دخل القضاء منذ أيام الكومسير ثابت، فأصبح بعض القضاة يتتبعون الأحداث بالتلفزيون.. ذلك أن المقاعد الأولى والوثيرة في الندوة كانت محتلة من طرف مديري ورؤساء الأبناك.. فهل ابتليت الأبناك بمرض الحكومة التي ترفض، أو كانت ترفض الحوار؟ ونظمت مناظرة، قالت إنها صرفت عليها “مائة وعشرة ملايين” في يومين، وكانت الندوة الثانية قد كلفت 73 مليونا “لأن الأشياء غلت” كما يقول تقرير أصحاب الشكارة الذين قالوا إنهم سيصدرون كتابا أبيض عن أعمال الندوة.. نحن في انتظاره، كما أننا في انتظار البيان الختامي الذي عرف تغييرات كثيرة(…) مائة وعشرة ملايين دون أن تستدعي الزبناء؟ الذين لولاهم لما كانت الأبناك، ربما أن الأبناك تعرف أن الزبناء الحقيقيين كلهم غارقون.. في الديون.. ويعرف أولئك الزبناء أن الأبناك عاجزة عن رفع دعاوى عليهم، لأن أغلب الزبناء يسبقون المحكمة لوضع المفتاح تحت الباب، وإغلاق المشروع، فتضطر البنك إلى إدراج الخسارة في الحساب الناقص، بينما القانون يوصل البنك للإفلاس إذا بلغ عدد المفلسين عندها قيمة رأسمالها، بينما النظرة إلى الواقع الحالي تكشف أنهم كلهم أكلوا ملايير الأبناك، وقالوا لها “خرجي من هنا”.. فصاحب مشروع مائة، سلفته البنك عشرة آلاف.. فأكل العشر آلاف.. وترك لها المائة، لذلك رأينا رئيس البنك العربين، عبد المجدي شومان يصرح للصحافة “إنه يريد أن تخرج البنك الشعبي من شراكتها من البنك العربي”، وسنرى أشياء أخرى.