من يهدد ندية ياسين ويدفعها للسكوت داخل جماعة العدل والإحسان؟
13 أبريل، 2015
5 دقائق
ندية ياسين
إعداد: سعيد الريحاني
“رحم الله الوالي حسن العمراني..” هكذا صرخ أحد المشيعين لجنازة خديجة المالكي زوجة المرشد الروحي لجماعة العدل والإحسان، الراحل الشيخ عبد السلام ياسين، ورغم أن صاحب التصريح لا تربطه أيه علاقة بالجماعة شأنه شأن كثير من الحاضرين الذي وجدوا أنفسهم وسط حشد يضم آلاف الأتباع، الذين كانوا يتقاطرون على مقبرة الشهداء يوم الخميس الماضي بالرباط، إلا أنه استنكر مثل غيره وقوف قوات الأمن في وجه “جنازة امرأة”.
طبعا لا علاقة لوالي الرباط الراحل حسن العمراني بالجماعة، ولكن الناس تذكروا مجهوده الخاص في شهر دجنبر سنة 2012، عندما تم تشكيل لجنة خاصة على مستوى الولاية، مع ما يرافق ذلك من تعزيزات أمنية من أجل تأمين عملية نقل الجثمان من منزل الشيخ في بئر قاسم، إلى مسجد السنة بالرباط، ومن تم إلى مقبرة الشهداء، وكانت الولاية وقتها قد أقنعت الجماعة بالتنسيق معها في كل كبيرة وصغيرة، فمر الحدث دون وقوع اصطدامات..
—————
هذه المرة كان السيناريو مختلفا، ولم تأخذ أية جهة على محمل الجد حجم الجماعة من حيث العدد، كما لم تتخذ أي إجراءات لحماية صورة المغرب، وبينما حصلت عائلة الراحلة على ترخيص من أجل الدفن من “ملحة الطب الشرعي” قسم الصحة والسلامة التابع لولاية الرباط، ورغم الإذن بالدفن من طرف “قائدة” تابعة للسلطة المحلية، إلا أن خللا في التنسيق بين الأجهزة ظهر جليا عندما صدرت الأوامر بإيقاف زحف آلاف المشيعين ومنع دفن الراحلة.
منذ زوال يوم الخميس الماضي إلى حدود الساعة الرابعة مساء، كان جثمان الراحلة عرضة للفحات الشمس الحارقة وهو ما يعني عمليا “بداية تحلل الجثة” حسب مصدر طبي، فلو لم يتم طي الصفحة لكان المغرب أمام فضيحة دولية من العيار الثقيل، إذ أنه سيغدو البلد الوحيد الذي لم يسمح بدفن زوجة رجل معارض، بغض النظر عن الحيثيات، وهو ما أهمله المسؤولون هذه المرة.
طيلة أزيد من أربع ساعات كان “التدافع” غير الحضاري سمة المواجهة بين قوات الأمن والراغبين في دفن الراحلة، وسجلت بعض الإغماءات في صفوف الجماعة، حيث أغمي على كل من عبد الله الشيباني زوج ندية ياسين، وبدا فتح الله أرسلان نائب الأمين العام منهكا إلى حد كبير بعد أن نزل ضغطه، وقد شوهدت ندية ياسين وهي تعطي التمر لأرسلان وتقدم له المساعدة في هذا الموقف المحرج صحيا، وقد يكون هذا أول لقاء “ودي” بين القياديين في الجماعة اللذين يتبنيان منهجين مختلفين.. لكن التمر الذي قدمته ندية لأرسلان ذي دلالة كبرى(..).
ندية ياسين التي امتنعت منذ مدة طويلة عن الخروج الإعلامي، قبل وفاة والدها، و”إبعادها” التنظيمي عن الدائرة السياسية، سرقت كل الأضواء بعد أن شرعت في التواصل بصوت مرتفع مع قوات الأمن، ونفحة السياسة ملحوظة في كلماتها: “لم يصلكم الربيع العربي، لأن المغرب توجد فيه جماعة العدل والإحسان”، هكذا تحدثت ندية وسط حشود قوات الأمن.
أصحاب العدل والإحسان كانوا يتهمون الدولة بمنعهم من ولوج المقبرة وممارسة وحقهم في دفن الراحلة، لكن السلطات كانت لها رواية أخرى يلخصها البلاغ التالي: “قامت السلطة المحلية بعمالة الرباط بالوقوف على مجموعة من الأشخاص وهم يباشرون عملية حفر قبر بمقبرة لعلو يوم الخميس 26 مارس 2015 على الساعة 11 صباحا، لدفن جثمان المرحومة خديجة المالكي أرملة عبد السلام ياسين، وأثار انتباهها أن المعنيين بالأمر لم يحترموا النظام الداخلي للمقبرة، وذلك من خلال اللجوء إلى المس بحرمات القبور المتواجدة بمحيط المكان الذي تم اختياره لدفن جثتهم، وكذا الدخول في الممر المخصص لمرور مواكب دفن الأموات.. ولم يتوقف المعنيون بالأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى اللجوء لحفر القبر بطريقة مخالفة لإجماع الأمة حول تكريم الميت المراد دفنه من خلال تقبيله القبلـــــة”.
يتشبث أصحاب البلاغ بكون المنتسبين للجماعة لم يحترموا القانون الداخلي للمقبرة، لكن ألم يكن بالإمكان فتح نقاش في الموضوع قبل انطلاق مراسم الدفن؟ ولماذا سلمت السلطات رخصة الدفن إذا لم تكن الإجراءات تحترم كل المساطر؟
كادت مقبرة الشهداء أن تتحول في إحدى اللحظات إلى “ميدان التحرير” أو “ساحة رابعة” في مصر، لولا تدخل بعض “الحكماء” الذين لم يرهم، ولكن الاتفاق على طي صفحة الخلاف أكد بما لا يدع مجالا للشك على وجود محاورين آخرين لم يظهروا للعيان(..) بخلاف ممثلي السلطة الذين لم تكن لديهم أية معلومة، بل إن جهلهم بحيثيات الموضوع جعلهم في وضع محرج، عندما بدأت تطالب بعض الأصوات بوضع جنازة الراحلة أمام أبواب القصر، على اعتبار أن هناك أوامر فوقية منعت إتمام مراسم الجنازة، وهو الأمر الذي لا يوجد سند له على أرض الواقع.
بعد عدة ساعات من الشد والجذب استطاعت الجماعة أن تفرض موقفها وتم تنفيذ رغبة الراحلة التي كانت تريد أن تدفن رفقة زوجها، لكن السؤال الذي ظل مطروحا هو: ماذا تريد جماعة العدل والإحسان؟ يقول فتح الله أرسلان حسب ما هو منشور في موقع الجماعة: “أعتقد أن المرء لا يحتاج إلى كثير عناء لكي يشخص المشهد السياسي في المغرب، فهناك فاعل أساسي هو الملك، والمربع الملكي هو الذي يتحكم في كل الأمور فبعد انحناءة الربيع العربي عاد النظام من جديد لكي يمسك بكل الخيوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، هناك احتكار لكل هذه السلطات بما فيها الاقتصاد والمال، هذا انعكس بالطبع على الحكومة التي لم يعد لها هامش للتحرك، وأصبح الوزراء في الحكومة لا يظهرون إلا في مآسي الشعب وفي القرارات اللاشعبية كما أصبحت تمسح في الحكومة كل السلبيات التي يعيشها المغرب..”.
وقد سبق لـ”الأسبوع” أن طرحت السؤال التالي على فتح الله أرسلان: ما هي شروطكم من أجل الدخول في اللعبة السياسية، فكان جوابه كالتالي: “نحن منخرطون في العمل السياسي، ولسنا أبدا على الهامش كما يصورنا البعض، ولعله يغالط نفسه من لا يزال يروج لهذه الشائعة، بعد السنة الفارطة (سنة 2014)، وما كان فيها من أحداث كبرى كانت جماعة العدل والإحسان المؤثر الأبرز فيها.. وعلى كل حال، نحن لا نطلب أكثر مما يضمنه الدستور المغربي على علاته من حق في التجمع والتعبير بحرية.. (حوار فتح الله أرسلان مع الأسبوع الصحفي، عدد 26 يناير 2012).
وكانت جنازة الراحلة “خديجة الملكي” قد ساهمت في ظهور جماعة الشيخ ياسين بشكل موحد، أكثر من أي وقت مضى بعد وفاة المرشد المؤسس، كما أن ظهور ندية ياسين في مقدمة الصفوف كان له أثر بالغ رغم أن عددا كبيرا من المواقع الإلكترونية ساهم في محاولة التخفيف من قيمة هذا الحضور بما فيها المواقع المحسوبة على حزب العدالة والتنمية، وفي هذا الصدد يكفي أن نقرأ صرخة أحد الباحثين المحسوبين على هذا التيار في “الفيسبوك” واسمه “مصطفى بوكرن”:
“يا إلهي احفظ جماعتي، جماعة العدل والإحسان من أشرار العدالة والتنمية والجيش الإلكتروني للتوحيد والإصلاح، أرجوكم إخواني لماذا تشتمون جماعة العدل والإحسان؛ إنها جماعة ربانية، إنها لا تحب السلطة، إنها تكره النظام، إنها تكره المخزن، إنها تكره الفساد والاستبداد، أرجوكم إخواني لماذا تشتمون جماعة العدل والإحسان؟ إنها جماعة صامدة، ثابتة، مقاطعة، قوية.. يا إلهي احمها من أشرار العدالة والتنمية والجيش الإلكتروني للتوحيد والإصلاح، يا إلاهي احفظ قيادتها وارزقها الثبات، والصمود.. يا إلهي أدم إطلالة ندية ياسين علينا.. اشتقنا إليها”، هكذا تحدث مصطفى بوكرن وهو متحمس مثل غيره “لعودة ندية ياسين للجماعة”.
وكانت ندية ياسين قد فضلت منذ مدة التواري عن الأنظار والاكتفاء بالاهتمام بوالدتها، ومحاولة ترجمة كتب والدها، ليطرح السؤال عن سبب هذا الغياب الملحوظ لامرأة ذات قيمة تنظيمية وشعبية كبيرة؟
الجواب المتداول على عدة ألسن مرتبط بـ”المخزن” لكن جوابا صادما استقته “الأسبوع” من أحد المقربين من ندية كان صادما جدا، حيث قال هذا الأخير: “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..”.
لم يشرح محاور “الأسبوع” المقصود بكلامه لكنه قال: “إن المشكلة لا تكمن في المخزن فقط ولكن لا تنس أن لندية أبناء يجب أن تشرف على تربيتهم..، كما أن الوقت لا يسمح بشرح كثير من التفاصيل”، من هنا يمكن التساؤل: “هل تعرضت ندية ياسين لنوع معين من التهديد داخل جماعة العدل والإحسان حتى سكتت عن الكلام المباح؟
وكانت ندية ياسين قد تعرضت لضغط إعلامي كبير طيلة السنوات الأخيرة، ما جعل أنصارها يعتقدون أن الأمر يتعلق بهجمة مخزنية.. لكن الوقت قد حان للانتباه إلى ما يجري داخل جماعة العدل والإحسان؟ في وقت خرجت فيه صفوفها متراصة بشكل أقوى بعد فن خديجة المالكي..