الحقيقة الضائعة

الحـقيقة الضائعة | كريستوفر ينتقد تقليد قبلة اليد في المغرب

 

بقلم. مصطفى العلوي
بقلم. مصطفى العلوي

بعد عمر مديد من التتبع اليومي لما يجري ويدور، وسط الأحداث والتعيينات والانقلابات، لم نسمع عن تتويج ملك إلا بعد وفاة أبيه، أو قريبه في الملك، ولا يفوت الملك لأحد – رغم أن الملك لله – إلا بحكم وصاية أو ولاية عهد، في حالة ما إذا سارت الأمور على ما يرام، وإلا فقد عشنا سقوط ملكيات متعددة، تساقطت كأوراق الخريف، وكأننا نعيش تصديقا مسبقا لمقولة ساخرة صدرت عن فيلسوف غربي قال: سيأتي زمان لن يبقى فيه من الملوك، إلا ملكة بريطانيا، وملوك أوراق الكارطا الأربعة.

وإذا كان الملوك العرب القدماء، وهم نموذج لاستمرار العائلة العلوية أربعة قرون، أعرق بكثير من الملوك الأروبيين في مجال الحكمة والثقافة المتوارثة أبا عن جد، فلأن العرب سبقوا الغرب، في ابتداع ملوك آخرين غير الملوك القابعين في القصور، فابتدعوا ملوك الشعر وملوك الطرب وملوك البيداء، وفي المغرب ابتدعوا سلطان الطلبة، بينما ليس بين الملوك والسلاطين فرق، فكلهم يستمدون علياءهم من انحناءات الآخرين.. هناك طبعا ملوك وسلاطين يبايَعون باستمرار لعلو مراتبهم، وحسن تدبيرهم، حيث لا يعلو مرتبة إلا من كان أهلا لها، أو مدركا لأهمية علوها، بالسيف أو بالقلم، أو بأي شيء آخر، يؤهله لأن يكون أعلى الناس، الموقع الذي يكتسَب ولا يعطى.

وطبقا للتقاليد التي لها في المملكة العربية السعودية مثلا، دور كبير في فرض ذلك التناوب الذي جعلت منه الأنظمة الديمقراطية العالمية مستقرا وأمانا، فإنه بعد أن ألقى جثمان الملك السعودي الراحل عبد الله، في حفرة مهجورة، حشر جثمانه فيها كأي الناس(…) بلا ضريح ولا مزار، كان تتويج أخيه الملك سلمان، الذي كان في شبابه قطبا إعلاميا، لم يستعمل صحفه وقنواته التلفزيونية، وهو مؤسس جريدة الشرق الأوسط، وسيلة للوصول إلى الحكم، لأن الحكم في السعودية وراثي حسب المقاييس العائلية، إلا أن التناوب السعودي الملازم للتقاليد لا يتأثر بالضغوط الخارجية، بقدر ما يبلور طريقة أخرى في الإصلاح، تجعل المهيمنين على مقاليد الحكم يخسرون سلطاتهم الأبدية، بمجرد تغيير الملك، وهكذا وفي الأيام القليلة التي أعقبت تنصيب الملك سلمان، على العرش السعودي، سقط عرش عائلة كانت مهيمنة على العرش(…) وهي عائلة عبد العزيز التويجري الذين كانوا لسنوات طويلة أقطاب التجربة العسكرية والاستخباراتية بتحالف مع حليفهم بندر بن سلطان، حيث كان التويجري يعتبر علبة أسرار الملك عبد الله ومن قبله، كما رأينا أفول نجم الوليد بن طلال، الذي يعتبر من أغنى أثرياء العالم، لتتضاءل مع أفوله كل المصالح والامتيازات(…) ويسارع الملك سلمان، في نفس الوقت، ليضع على رأس المسؤولين، الشاب محمد، ولد الملك سلمان، وعمره خمس وثلاثون عاما وزيرا للدفاع ومديرا للديوان بدل التويجري لتظهر ميزات الأسلوب السعودي في إخراج المملكة من القبضة الدائمة لنفس المجموعة.

لا خوف إذن، على احتفاظ السعودية بالدور الريادي في منطقة الخليج، مادام الملك الجديد سلمان، أقدم على زعزعة الكراسي التي يهيمن عليها من يعتبرون أنفسهم ورثة مع الملك، لمقاليد الدولة.

وينفرد السلطان قابوس، ملك سلطنة عمان بتكريس الوسائل التي قام عليها الحكم في منطقة الخليج سنوات طويلة، لم يكن فيها بترول ولا نفوذ أمريكي، حيث مزج قابوس بين التقليد الإسلامي العربي، وبين الحضارة الغازية، فحول عاصمته مسقط، إلى صورة مصغرة لمدينة لندن البريطانية، رغم أنه ألزم موظفيه، كيفما كان مستواهم، على ألا يدخلوا مكاتبهم إلا وهم يلبسون الزي التقليدي القديم لسكان عمان. وها هو العالم كله يتتبع حالة مرض السلطان قابوس الذي لم يخلف ولدا ولا وليا للعهد، وسكان عمان، ينتظرون المفاجأة، وهي الرسالة التي لن تفتح إلا بعد وفاة السلطان قابوس، والتي سيكشف فيها عن اسم من سيتولى السلطنة بعده، رغم أن الكثيرين يتوقعون أن يكون هذا المرشح هو الشريف علوي، الرجل الثاني اليوم في السلطنة، وقد كان إلى سنوات قليلة من قبل، قطبا من أقطاب الحركة الانفصالية على غرار البوليساريو، ويسمون في سلطنة عمان ثوار “ظفار” وقد استقطبه السلطان قابوس، وأسند إليه كبار المهام، كوسيلة راقية، لوضع حد لإحدى كبريات حركات الانفصال في تاريخ عمان.

وبينما الملوك الحاليون، حسبما نسمع ونرى، أصبحوا يشعرون بثقل المسؤولية، إن لم يكونوا في أغلبهم، متفقين على أن مهمة الملك، أصبحت معرضة للانتقاد، سواء أحسن الملك أو أساء، فإن هؤلاء الملوك والأمراء، يعرفون أن بقاءهم مهدد بهذا الفشل والفوضى التي تجعل الليبيين مثلا، يتمنون الرجوع إلى عهد الاستقرار كما كان أيام الملك السنوسي.

وها هو ملك الأردن، الملك عبد الله، والذي نصب في نفس الفترة التي ارتقى فيها الملك محمد السادس، في نفس السن تقريبا، سدة عرش الملك الحسن الثاني، الصديق الصورة طبق الأصل، للملك حسين والد الملك عبد الله، الذي عين هو أيضا في نفس الفترة التي أصبح فيها بشار الأسد، خلفا لوالده الجبار العظيم حافظ الأسد، وهو – أي الملك عبد الله – يتحول إلى صورة ناطقة لوالده الملك حسين، رأيناه يقفز بالمظلة من الطائرة بجانب زملائه(…) العساكر.

ملك الأردن، عبد الله الذي سبق له أن صرح معترفا بأنه “لا مستقبل للملكية في الأردن”، على ضوء التصرفات النازية لصديقه بشار الأسد الذي سيكتب عنه التاريخ أنه – كي يبقى – فقد تسبب في هدم دولته سوريا، وآثارها التي تخلد أمجاد الإسلام.

لا فرق إذن، بين الملوك والرؤساء عند مواجهة صعوبة الموقف، ولكن الغيوم الداكنة التي تحجب عن كثير من الرؤساء والملوك آفاق التفاؤل، تحتم على كل ملك أو رئيس، أن يطلب حسن العاقبة(…) حتى لا يجد نفسه غدا في جانب آخر من الزنزانة التي يقيم بها الرئيس المصري حسني مبارك، ولا الحفرة المجهولة، التي ألقيت فيها بقايا جثة الزعيم الأوحد(…) معمر القذافي.

فأين نصنف مستوى تفكير أمير البحرين، الذي بدل الاحتفاظ بنفسه في عداد أمراء الخليج، الذين لا تغريهم فكرة التموليك(…) الذي قد يقربهم للخطر، ها هو يعلن بين ليلة وصبحها نفسه ملكا، وأسبغ على نفسه هالة الملوك وتقاليدهم، بل إنه فرضها على العالم، وألزم بروتوكولات رؤساء عظام، مثل رئيس الولايات المتحدة، كي يغيروا العنوان، وبدل سموه(…) يكتبون جلالته.

تصوروا ملكة بريطانيا التي ورثت العرش جدا عن جد، يصحونها ذات صباح ليقولون لها: لقد أصبح لجلالتك زميل جديد في الملك، وهي التي أصبحت تعتبر نفسها آخر ملكات الدنيا.

أما هيرو هيتو، الذي يعتبر عرشه أقدم من اليابان نفسها، فإنه لا شك سيحك عينيه قبل أن يصدق أن حاكم أحد أقاليم الخليج، أعلن نفسه ملكا.

لقد كان العالم ينتظر من العرب أن يعلنوا عن طريقة جديدة للرد على الطغيان الصهيوني، وتعريض بيوت الفلسطينيين لصواريخ وقنابل القاذفات، بأن يؤسسوا من كيان الاتحاد الخليجي، دولة واحدة قوية بإمكانياتها الاقتصادية والبشرية، تذوب في حرارة قوتها أسطورة الكيان الإسرائيلي التي لا مكان لها إلا كعضو نشيط في مجموعة الدول العربية الموحدة.

إن الأخلاق تحتم علينا أن نتمنى أيضا لجلالة الملك البحريني طول العمر، والمزيد من التألق، رغم أنه لا تألق أعلى من الملك، وليت جلالة ملك البحرين يركب حصانه أو ناقته ويقود جيوشه لتوحيد الإمارات البترولية كلها، وربما غزو الإمارات الأخرى، ويعلن نفسه ملكا على حد السيف، ولو فعل، لوقف العالم إجلالا لجلالته، مثلما وقف إجلالا للملك آل سعود الذي وحد أطراف مملكة كانت مشتتة، فنصرته قبائل تميم، وحرب، ومطير، وعتيبة.

الملك عبد العزيز آل سعود، الذي خلف للعالم الحالي(…) معلمة تاريخية ضد الإرهاب، وضد الجريمة، وضد الفوضى، فنصب في وسط مدينة جدة، حديقة محاطة بالقضبان الحديدية، يتم فيها كل جمعة، وأمام المتفرجين، قطع رأس كل ثائر وقطع أيدي السراق، حتى أصبحنا طوال عشرات السنين، لا نسمع في السعودية عن ثورة ولا تمرد، ولا سرقة، وحتى ثوار داعش عندما تراودهم فكرة التطاول على السعودية، فإنهم عندما يزور أقطابهم مدينة جدة، يتخيلون رؤوسهم – هم أيضا – ملقاة أمام المتفرجين، لأن تقليد قطع الرؤوس، متوارث عن السعوديين وقبائلهم.

مثلما نصرت قبائل همذان، وحاسك، وخولان، ورامان ملوك اليمن الذين ورثوا الملك منذ عهد ملكة سبأ، وكما ورث العمانيون الملك عن أجدادهم حيمر، استمد الملوك العلويون في المغرب أمجداهم من سلالة الإمام علي..

ومن يضمن للملك الجديد في البحرين، وكل من يفكر في أن يصبح ملكا من أمراء الخليج، أن يرتبط الملك بالخلود، وهذا شيء مستحيل، فقد شهدنا كيف أن عرش شاه إيران سقط في أيام، لأنه لم يكن غائرا في جذور الشعب الإيراني، بقدر ما كان الشاه يعتبر نفسه أذكى المخلوقات، حتى إنه عندما فاتحه الأمريكيون في التنازل لفائدة ولده محمد رضى، أجابهم بغرور: إن ولدي في حاجة إلى خبرتي سنوات طوال، قبل أن يتولى العرش. ليظهر له بعد سنوات قليلة، أن خبرته وتجربته هاته لم تغنه شيئا مع الإمام الخميني.

ربما لو كان ملك البحرين قد احتفظ بنفسه أميرا بين الأمراء، لما أعلنت داخل عاصمته هذه المعارضة المنظمة(…) التي فوجئت بالتغيير الذي فرضته طقوس الملكية، فلم تكن هناك احتجاجات من قبل، في البحرين، ولا مظاهرات، إلا بعد أن اختار أميرها لنفسه لقب ملك..

لنجد هذه الخريطة التي رسمها الإنجليز، حسب مصالحهم في توزيع شركات النفط، وها هم خبراء السياسة الإمبريالية، كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلنتون” في مذكراتها، يفكرون في عملية تقسيم هذه الدول العربية المقسمة أصلا، وتكتب أن حركات التقسيم، ستشمل مصر وليبيا والجزائر وحتى المغرب(…) وتذهب بعيدا، لتكشف أن الأجهزة الأمريكية، كانت وراء تأسيس داعش. داعش التي لم تقنع بأن تكون رمزا للبديل الإسلامي، ففاجأت الأمريكيين بتأسيس دولة، نصبوا عليها هي أيضا، أميرا، وها هي أمريكا تعجز هي وحلفاؤها عن ضرب داعش. داعش التي تحتل اليوم، نصف الخريطة السورية ونصف الخريطة العراقية، تخطط مستقبلا، لاحتلال دول الخليج، بملوكها، وأمرائها، الذين تصوروا، أن بقاءهم رهن بعلو ناطحات السحاب التي تهافتوا وتسابقوا على من يؤسس أعلاها، دون أن يفطنوا إلى أن الأمجاد لا تقاس بعلو العمارات، ودون أن يتعمقوا في نوايا اسياد العالم، الأمريكيون، وقد تنامى في زمانهم جيل من الحزبين الأمريكيين، الجمهوري والديمقراطي، لا يخفى تبرمه من هذه الثروات الكامنة في أعماق دول الخليج، ويتزعم قطب منهم، وزير الخارجية الأسبق، وارين كريستوفر، “فلسفة احتقار الثروات السهلة”، وتفاديا لفضح مخططهم تجاه الشرق الأوسط، فإن كريستوفر هذا، ابتعد عن نماذجهم، واكتفى بظاهرة الثروات السهلة، عند النظام المغربي، الذي رغم أن ثرواته ليست مرتبطة بالبترول، فإن كريستوفر هذا كتب عن إحدى زياراته للمغرب، مرفوقا بالكاتب الأمريكي مارتن أنديك: ((أثناء مأدبة على مائدة الملك الحسن الثاني، بحضور بعض الأثرياء الخليجيين(…) وبحضور أولاده، كان وزراؤه الفيلالي، والبصري، وأزولاي، وهم الواحد بعد الآخر، ينطوون وينبطحون أمام الملك لبوس يده، وهو يدفعهم)) (مذكرات مارتن أنديك 2009).

أكيد، أن الفرق بين الثروات السهلة، وتقبيل أيدي الملك، فرق كبير، ولكن هم الأمريكيون، يضربون في المغرب، ليتخوف الخليجيون في المشرق.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى