روبورتاج | وثيقة تاريخية فرنسية تتهم زعيما نقابيا بسرقة مليار سنتيم
مما لا ريب فيه أن سنة 2015 ستكون سنة ذات طعم خاص بالنسبة للمغرب، لأنها ستكون سنة الانتخابات التشريعية، وعندما تقترب الانتخابات في المغرب كما في باقي دول العالم فإن الساحة السياسية تعرف غليانا كبيرا، حيث تكثر الاتهامات بين الأحزاب كما تحدث صراعات داخل بعض الأحزاب. ومن ناحية أخرى، يبدأ الحديث عن تحالفات بين بعض الأحزاب كما يدعي كل زعيم سياسي الصلاح وأنه هو الوحيد القادر على إنقاذ المغرب ويتهم خصومة بالزندقة أحيانا والفساد في أحايين أخرى.
غير أن الغريب في الأمر ومع اقتراب انتخابات سنة 2015 لوحظت ظاهرة غريبة داخل الحقل السياسي، وهي إمكانية التحالف بين حزب العدالة والتنمية الحزب الحاكم، وحزب الأصالة والمعاصرة. ونتذكر جيدا الصراع وتبادل الاتهامات التي حصلت بين الحزب المتزعم للتحالف الحكومي العدالة والتنمية والحزب الذي يشكل أحد أركان المعارضة حزب الأصالة والمعارضة، حتى أن عبد الإله بن كيران صرح في بداية التشاور بخصوص التحالف الحكومي بأن حزبه مستعد للتحالف مع أي حزب ما عدا الأصالة والمعاصرة.
———————
بقلم الباحث: الزاكي عبد الصمد
بالعودة إلى التاريخ العالمي بصفة عامة وتاريخ المغرب بصفة خاصة أي مرحلة 1956 – 1961 نقف على بعض الأحداث والحالات التي كانت مشابهة. ولا ندري لماذا تشبه مرحلة 1956 – 1961 المرحلة الراهنة، هل لأن الأوضاع مشابهة أم لأن المغرب يعيش على وقع نسق سياسي وثقافي واحد، كما أكد الأنثروبولوجي عبد الله حمودي صاحب كتاب “الشيخ والمريد”.
ونود أن نتطرق إلى حدث له أهمية كبيرة في فهم النسق الثقافي للأحزاب السياسية المغربية، وقد بقي سرا نظرا لسريته وأهميته، وهو محاولة تحالف يسار حزب الاستقلال مع الحركة الشعبية في عز أحداث الريف، كما نود أن نتطرق إلى حدث آخر لا يقل عنه أهمية وهو أننا نجد أن المحجوب بن الصديق الذي كان يدعي العمل من أجل مصلحة الشعب كان أول من سرق أموال الشعب، حيث سرق مبلغ مليار سنتيم وأودعه في أبناك خارجية.
تحالف بنبركة والخطيب
في سنة 1958 وعندما صارت الأمور تتجه إلى مستقبل غير واضح، من جراء اتجاه حزب الاستقلال لا محالة إلى الانشقاق. بدأ كل طرف من الأطراف المتنازعة يبحث عن تحالفات يقوي بها موقفه، وحضوره على الساحة السياسية المستقبلية. وحيث كان الجناح المحافظ للحزب واثقا من إمكاناته ولا يبحث عن تحالفات، نجد من خلال وثيقة من أرشيف المخابرات الفرنسية مؤرخة بتاريخ 30 أكتوبر 1958 ومطبوع عليها “سري للغاية”، وهي عبارة عن لقاء عقد بتاريخ 28 أكتوبر 1958 مع محمد عواد الأمين والمعاون المباشر للمهدي بنبركة.. معلومات كالصاعقة تتعلق بسعي المهدي بنبركة للتحالف مع حزب الحركة الشعبية.
وكما هو معلوم، فإن الجناح اليساري لحزب الاستقلال كان يرى في حزب الحركة الشعبية ما يراه حزب العدالة والتنمية اليوم في حزب الأصالة والمعاصرة، بأنه حزب ملكي وهو الذي أسس في سنة 1957 ومنعه حزب الاستقلال من العمل بضغط من المهدي بنبركة نفسه، الذي كان يراه حزبا يضم الخونة “بقايا العهد السابق”.
وتعود وقائع مسعى المهدي بنبركة للتحالف مع الحركة الشعبية إلى بداية انتشار أحداث الريف في أكتوبر 1958، حيث ألقي القبض على كل من أحرضان والخطيب وبنعبد الله الوكوتي بفعل نقل رفات عباس المساعدي وإعادة دفنه، الأمر الذي أشعل أحداث الريف، وهنا تشير الوثيقة إلى أن المهدي بنبركة في خضم هذه الأحداث قرر التخلي عن زعامة الجناح اليساري لحزب الاستقلال وترك مسؤوليته لعبد الرحيم بوعبيد، وذلك من أجل التركيز بشكل فعال على عمل توليفة سياسية جديدة. ويعتقد محمد عواد كما تشير الوثيقة إلى أن محاولة المهدي بنبركة لصناعة توليفة سياسية جديدة جاء من أجل التقريب بين العناصر التي يمكن استعادتها وضمها إلى صفه. وليس ذلك من أجل إعادة تشكيل حزب الاستقلال، ولكن من أجل ضخ أطر جديدة في حركة جديدة تكون عميقة، وتشمل كتلة من أولئك الذين رفضوا الدخول في المعارضة عن طريق الخطإ بهدف تدمير وبكل الوسائل جهاز السلطة الذي كان حكرا على حزب الاستقلال، ليتم الاعتراف بذلك بزعامة بنبركة من جديد بعد “اتهامه” بقتل عباس المساعدي.
وتبين الوثيقة أن بنبركة أكد للعديد من أعوانه المباشرين بأنه يفضل أخذ حريته للقيام بهذه العملية لمدة قد تطول وقد تقصر، وعليه أن ينتظر الوقت والفرصة المناسبين للعب دور فعال في هذا الإطار. كما تشدد على أن عواد أكد أن بنبركة أشار له بأنه على اتصال مع مغاربة من جميع النزعات والمذاهب السياسية، الذين فروا من حزب الاستقلال أو تركوه خوفا من المستقبل السياسي للبلد، الذي بدا وكأنه لا يبشر بخير بالنسبة لحزب الاستقلال، وأنه أكد لمحاوريه الفرنسيين أن بنبركة أخبره بأن الاتصالات كانت جارية مع شخصيات مستقلة سياسيا ولا تنتمي لأي توجه سياسي معين، وذلك عن طريق وسطاء. في إشارة إلى أن بنبركة ربط اتصالات أيضا مع زعماء الحركة الشعبية الذين دخلوا إلى السجن بأمر من الحكومة الاستقلالية، وخصوصا مع الزعيم الحركي الخطيب، ليقترح عليه عقد اجتماع من أجل وضع برنامج من أجل تحويل وجعل “الأمازيغ يتوفرون على تمثيلية أكثر في المغرب“.
وتضيف “الوثيقة” أن إدريس المحمدي قام هو أيضا بزيارة إلى سجن عين قادوس الموجود بفاس قبل أيام قليلة من أجل لقاء زعماء الحركة الشعبية وهو ما حصل فعلا، ولا نجد أي دراسة أو مصدر يشير إلى أن بنبركة حاول ربط الاتصال مع زعماء الحركة الشعبية.
ومن خلال وثائق أخرى، نلاحظ ما يؤكد ما ورد في هذه الوثيقة حيث نجد من خلال وثائق فرنسية أن أحرضان والخطيب عندما خرجا من سجن عين قادوس بفاس في أواخر نونبر 1958، بعد اتهامهما بنقل جثمان عباس المساعدي، اتصل بهما عبد الله إبراهيم ممثل يسار حزب الاستقلال وصديق بنبركة الذي كان يعمل على تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة بلافريج، وحاول إقناعهما بالمشاركة في الحكومة وبإلحاح، ولكن زعيمي حزب الحركة الشعبية رفضا رفضًا قاطعا المشاركة في تلك الحكومة.
مطالبة المغرب بموريطانيا
الوثيقة نفسها تشير إلى أمر آخر في غاية الأهمية، وهو أن محاور الفرنسيين محمد عواد أكد أن بنبركة اعتبر أن ما قام به حزب الاستقلال من عمل ودعاية لتلميع صورته فشل فشلا مدويا، حيث اعتبر أن الخطأ الرئيسي جاء عن طريق علال الفاسي نفسه، إذ توضح أن بنبركة اعتبر أن علال الفاسي قاتلَ وناضل من أجل الوهم عن طريق التلويح بفكرة سخيفة وهي إلحاق موريطانيا بوطنه الأم المغرب.
وتؤكد أن محمد عواد صرح لهم بأنه في آخر حديث له مع المهدي بنبركة أشار له هذا الأخير بأنه “يجب على المغرب أن يترك هذه الفكرة السخيفة، لأن موريطانيا سيتم تسليط الضوء عليها من جديد من طرف فرنسا، وفي إطار مخطط جديد من طرف الجنرال دوكول الرئيس الفرنسي، وستكون فرنسا أكثر فاعلية وسرعة في تعاملها مع ملف موريطانيا بعشر مرات أكثر من المغرب. وسيأتي يوم ينادي فيه المغاربة بوطنية موريطانيا، ولذلك فلا ضرورة لإنفاق المال عبتا على الأمور الخيالية والبعيدة المنال كما يفعل بلافريج على ولد ببابانا“.
وجدير بالذكر أن علال الفاسي نادى بحق المغرب التاريخي في موريطانيا عندما رأى أنه همش وأقصي من الحزب في بداية سنة 1956، وهذا المطلب هو الذي أعطى للرجل إشعاعا من جديد وبين سنة 1956 و1958 ركز حزب الاستقلال على هذا المعطى بصفة أساسية في محاولة منه لمجاراة الملكية من حيث البرامج التي تجلب تعاطف عموم الشعب.
الزعيم النقابي الذي سرق مليار سنتيم
بالعودة إلى التاريخ القريب نجد أنه في عز الأنوية الكبرى للصراعات الإيديولوجية بالمغرب، صراع حي والنموذج الأهم هو الصراع الكبير الذي دار داخل حزب الاستقلال قبل الانشقاق، حيث هناك كان فريق يطالب باتباع المذهب الاشتراكي لأنه سيمكن الشعب من اقتسام ثروات البلد بشكل عادل ضدا في بورجوازية الحزب، وقد مثل هذا المذهب كل من: المهدي بنبركة، والمحجوب بن الصديق، وعبد الله إبراهيم، وهؤلاء هم من مثلوا التيار الذي ينادي بضرورة توزيع الثروات بشكل عادل على الشعب وقاموا بحملة ضد برجوازية الحزب وأكدوا عزمهم على محاربتها.
غير أن ما تكشفه وثيقة أخرى من وثائق الأرشيف الفرنسي أن الشعارات شيء والواقع شيء آخر، إذ نجد أن عناصر الجناح المحافظ من حزب الاستقلال أو بورجوازية الحزب نظموا بدورهم حملة معادية للجناح اليساري الذي يدعي المذهب الاشتراكي، وعقدوا اجتماعا بمركز الحزب بالدار البيضاء بتاريخ 10 أكتوبر 1958 حضره حوالي 30 من زعماء الحزب، وتزعم الاجتماع أحد زعماء حزب الاستقلال المسمى مصطفى زغلول، هذا الأخير أكد بأن الاتحاد المغربي للشغل ينظم حملة ممنهجة ضد قياديي الحزب وهم علال الفاسي وبلافريج، معتبرا إياهم مجرد رأسماليين وهدفهم الوحيد هو الربحية والانتهازية، والمصلحة الشخصية ليس أكثر.
وتشدد الوثيقة على أنه تعالت أصوات خلال هذا الاجتماع تقول بأنه حتى زعماء التيار اليساري للحزب هم أيضا رأسماليين إلى أبعد الحدود، وعلاقتهم بالاشتراكية والدفاع عن الشعب ليست مجرد شعارات لا أقل ولا أكثر ودليلهم في ذلك أنه راجت أخبار تفيد بأن أحد النقابيين الزعماء وهو واحد من الزعماء الثلاثة ليسار حزب الاستقلال لم يكن أبدا صالحا ولا اشتراكيا كما يدعي، حيث إنه في ظرف سنتين من استقلال المغرب في سنة 1956 إلى سنة 1958 سرق مبلغ مليار سنتيم وأودعه في أبناك خارجية. فهل يكون الرجل أول من شرع سرقة أموال الشعب ويحولها إلى الخارج، وهي القضية “قضية تهريب الأموال إلى الخارج” التي تعتبر الآن من بين المشاكل العظمى التي يواجهها المغرب.
كما أكدوا خلال نفس الاجتماع أن حملات يسار الحزب لها هدف منهجي واحد وهو ليس اتباع مذهب بعينه، وإنما تلطيخ سمعة علال الفاسي زعيم الاتجاه المحافظ للحزب والرفع من شأن زعيم الاتجاه اليساري للحزب وهو المهدي بنبركة.
وهذا يعاكس ما ذهب إليه عبد الله إبراهيم الذي قال بأن يسار الحزب يسعى للإصلاح ومحاربة الاتجاه المحافظ الذي يحفظ مصالح البورجوازية الفاسية، حيث نجد العبرة المرجو استخلاصها من خلال هذه الوثيقة أنه لا أحد صالح في عالم السياسية والشعارات لا تعكس دوما قناعات الرجال وإنما هي أداة للوصول إلى الحكم.
بين الأمس واليوم
قلنا بأن تلك المرحلة تشبه اليوم، ولا نعلم هل لأن أوضاع تلك المرحلة تشبه اليوم أم لأن الأمر يتعلق بنسق سياسي وثقافي واحد؟ وما قد يؤكد بأن الأمر يتعلق بنسق يخضع له المجتمع المغربي، هو أنه في الأزمات دوما يكون الحديث عن أبغض الحلال، حيث هناك تشابه بين محاولة المهدي بنبركة التحالف مع الحركة الشعبية وبين ما هو رائج اليوم عن إمكانية التحالف بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، إذ سعى المهدي بنبركة خلال تلك المرحلة إلى البحث عن خلق توليفة سياسية تضم مختلف النزعات في المغرب لإرضاء كل الجهات.
واليوم، المصلحة مشتركة لأن حزب الأصالة والمعاصرة يبحث عن مدخل هادئ إلى الحكومة، لأن من شعارات حركة 20 فبراير حل الأصالة والمعاصرة، وإن نجح الحزب في انتخابات 2015 وكان مطالبا بتشكيل حكومة فإن أمره لن يكون يسيرا، أما من حيث العدالة والتنمية فإنه يخاف على موقعه ويسعى لتنويع الحلفاء وإتاحة أكبر قدر من الخيارات.
أرجو من طاقم جريدة الأسبوع الصحفي أن لا يخلطوا العشر سنوات الأولى من الأستقلال … التى تتسم بزعامات كانت تبحث عن موقع سلطة لتزاحم الملكية المطلقة ولو على حساب الشعب الذي كان وعيه بمصالحه مقتصر على لقمة العيش , وكان قصير النظر في المطالبة الديمقراطية هذه الفترة تغلغلت فيها الزعامة داخل الأحزاب وفي حاشية النظام الملكي الذي كان يبحث عن خطة طريق فصل السلطة بسلاسة وهدوء … هل مقارنة بنكيران ومن معه ومن كون جزبه ـ إدريس البصري والخطيب ـ يطابق الصراع داخل أعتا حزب في المخرب مهماكان من تدليس وتأمر ليس على الحزب بل على زعمائه محافضين و يساريين…. اليوم حزب العدالة هو حزب عادي بل أقل من ذلك … ماذا يفعل سوى تكريس الوضع المتأزم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا … مقارنة لا تمت للواقع بصلة … كما أن زمن الزعامات قد ولى فمن هم اليوم يعتقدون أنةهم زعماء في الحقل السياسي ليسوا سوى أداة لتمرير السياسات التي كرست واقعا مزريا ونقولة لا يستتني أحدا … مقارنة الماضي بالحاضر خطأ فادح