بقلم: بوشعيب الإدريسي
منذ مدة والرباط تنتظر تقسيما انتخابيا يراعي صفتها: عاصمة المملكة، ويقدر مكانتها كتراث إنساني عالمي، فلحد الآن لم يحقق لا التقسيم الإداري ولا الانتخابي إلا التذمر عند المواطنين، والبعد عن خدمات القرب. وبما أن رباط الفتح مرشحة في الأسابيع المقبلة لدخول نادي مدن الأنوار العالمية، مما يفرض طي صفحة التقسيم الحالي الذي يعود إلى 15 سنة مضت، والذي تشوبه عيوب كبيرة، وتغلب عليه اللمسة السياسية بدلا من النظرة الجغرافية والعمق التاريخي والتركيب الديمغرافي لكل مقاطعة، فمثلا مقاطعة حسان مساحتها 7 كيلومترات مربعة ومقاطعة أكدال – الرياض رقعتها 48 كيلو متر مربع حتى صارت اليوم في حجم عمالة، فليس هناك مقياس بعدي عند تكوين المقاطعات والذي ينبغي اعتماد المساحات الحضرية في الحسابات والدراسات.
ويتحدثون اليوم عن إمكانية تنقيل مركز المدينة من قلب مقاطعة حسان إلى حي أكدال بمقاطعة أكدال- الرياض وذلك لأسباب الفوضى والعشوائية والجوطيات التي احتلت مركز المدينة العتيقة وشوهت الأحياء التاريخية، وهذا ليس مبررا لتهريب مركز العاصمة إلى حي أكدال، لأنه لا يمكن تنقيل الأسوار والأبواب التاريخية والبنايات الأصيلة، ولكن يمكن حماية وإنقاذ هذا المركز بل هذا التراث الإنساني بتأسيس مقاطعة جديدة تضم أحياء الأوداية والمدينة العتيقة ولوبيرة والضريح الشريف، ولا تنسوا فبفضل هذه الأحياء فازت مدينة الرباط بلقب مدينة التراث الإنساني العالمي، فهل لا تستحق مقاطعة؟
فالمدينة العتيقة، وقصبة الأوداية، وديور لوبيرة، والضريح الشريف تجمعهم الجغرافية ويعترف لهم التاريخ بالأصالة وينسجمون في مشروع مقاطعة، بينما حي حسان وحي الإقامة والمحيط وديور الجامع ولاحظوا الحي منقسم إلى شطرين، شطر في مقاطعة حسان وشطر في مقاطعة أكدال- الرياض وحي العكاري، وحي الأحباس وحي الليمون، وحي السعادة وحي جسوس، تدخل كلها في مقاطعة حسان تحت اسم جديد، علما أن مدينة جديدة ستشيد على ضفة نهر أبي رقراق على تراب هذه المقاطعة.
فأما مقاطعة يعقوب المنصور فمحكوم عليها لعدة عوامل بالانقسام إلى مقاطعتين ويمكن تفعيل مشروع مقاطعة الشبانات المنجز منذ سنوات، كما يمكن إحياء مشروع مقاطعة شالة وهو مشروع قديم لضم أحياء أبي رقراق، والطيارات، ومابيلا، والحي الصناعي، والفرح، ليتاح لمقاطعة اليوسفية الاضطلاع بما ينتظرها من مشاريع عملاقة على شوارع محمد السادس، وحي النهضة، والحوز، وما جاورهم.
وتبقى مقاطعة السويسي التي هي الأخرى مؤهلة للانشطار إلى شطرين حتى يتم تطويق مشاكلها التي لا تعد ولا تحصى خصوصا مشاكل البنيات التحتية والمرافق الضرورية.
ففي نظرنا على هذا الأساس ينبغي بناء مدينة الأنوار وبمقاطعات تخدم بالفعل – وليس بالشعار – خدمات القرب للمواطنين.
وإذا ما عدنا للمقاطعات الخمس الموجودة حاليا، فإننا نلمس تفوقها على رؤسائها ومكاتب مجالسها حتى أنها غلبتهم بمشاكلها وحاجياتها لسبب واحد هو أن “أصحابنا” نضبوا أنفسهم رؤساء جماعات وليس مقاطعات.
لهذا من الضروري إعادة النظر في التقسيم الانتخابي الذي يحدد حدود المقاطعات التي تضمن معاملات القرب وليس “هميزات” البعد، ولن يتحقق هذا الحلم إلا إذا ساهم الناخبون بكل جدية في إنجاح المشاركة الانتخابية ابتداء من التسجيل في اللوائح المعدة لهذا الواجب.
ومدينة الأنوار لن تكون كذلك إلا إذا حكامها وسيرها متنورون وهذه مأمورية موكولة إلى أحزابنا.
فمدينة الرباط ستتغير لتصير مدينة الأنوار، فهل يتغير سكانها وناخبو مجالسها؟