الرأي

العشب “العيان” يضع حزب الحركة وسط إعصار سياسي جديد

   بقلم٠ محمد بركوش     

       ما وقع بمركب مولاي عبد الله بالرباط كارثة حسب وصف البعض رغم محاولة التقليل من قوتها، جاءت في غير وقتها على ما يبدو، ملفوفة في أسمال من الفضائح التي كدنا أن ننساها أو نتناساها꞉ فضائح كبيرة بحجم أمة ظلت بقيادة ملكها المعتز بالوطنية تحقق المعجزات وتقيم المنجزات، وتسعى لتكون قدوة في كل شيء، لكن فضيحة الملعب أوقعتنا جميعا في حيرة كبيرة أمام أنظار العالم الذي تتبع المهزلة، بعد أن كان المنتظر هو أن يتذوق المغاربة من جديد حلاوة الفرجة الكروية وطعم استضافة الفرق الكبيرة، وينسوا آلام النكبات التي توالت على رؤوسنا ومن تحت أقدامنا دون مساءلة ولا هم يحزنون، وتعاد الحياة إلى آمالهم التي وأدها الأعداء، ويتولد من جديد ذلك الإحساس الإيجابي الذي فقدناه في لحظات غريبة تثير الكثير من الدهشة، إحساس بأن النفق – نفقنا نحن المغاربة – غير مظلم بشكل كلي، وإن في نهايته عالم رحب وممهور بتجارب كروية مهمة راكمها المغرب منذ زمان، منذ أن كانت الشبيبة والرياضة في عهد مسؤولين يقيمون وزنا للوطنية ويضعون مصلحة البلاد فوق كل شيء، وهذا طبعا لا يعني أننا لا نتوفر على أمثال أولئك الكبار بل العكس هو الصحيح، إذ المغرب يزخر بالأطر الكفأة والعلماء الأجلاء والمفكرين الكبار، ولكنهم مغمورين، لا ينظر أيهم إلا من خلال ثقب التهميش والتغييب.

الحملة التي رافقت الواقعة أنتجت أكثر مما توقعنا وتوقعه الآخرون الذين تعودوا وألفوا أن تمر الأمور “العظيمة” بسلام، فقد صار واضحا لدى الجميع أن عناصر العطب والتعثر في الرياضة هي عناصر فادحة وضعت من خلال التقدير التاريخي أحلامنا في مهب الريح بعد أن تهاوت قطعة قطعة على أرض بها عشب مكلف جدا اِلْتَهَم الملايير من الميزانية꞉ عشب متعب “عيان” بسبب ظروف النقل꞉ حسب رأي شركة “VALTECH” المختصة في صناعة العشب، وبسبب الإنهاك الذي ألم به نتيجة عدم إمهاله الراحة وأخذ نفس للتأقلم مع المناخ والأرضية، ولم تتوقف الحملة إلا بعد تدخل “القصر” وصدور بلاغ (صيغ بحكمة رائعة) بتعليق “كل أنشطة أوزين وزير الشبيبة والرياضة المرتبطة بكأس العالم للأندية بما فيها حضوره المباراة النهائية للموندياليتو”، وهي نهاية مشوقة عاشت معها الجماهير لحظات ممتعة بكل المقاييس، حيث شاهدت التمريرات كيف تهيأ والقذفات كيف تصوب والروح الرياضية كيف تسود داخل الملاعب التي لا تتأثر بالأمطار أو الرياح، “بإجراء تحقيق عميق وشامل لتحديد المسؤوليات والاختلالات”، وفي ذلك إشارة قوية وواضحة إلى ضرورة تفعيل القاعدة التي تربط المحاسبة بالمسؤولية، وتحيين مبدإ المسؤولية السياسية التي يرى فيها “ماكس فيبير” النجم القطبي الذي يهتدي به رجل السياسة في دروب عالمه الحقيقي المقام بالدرجة الأولى على الأخلاق، والاعتراف بالخطإ وتحمل المسؤولية والتحلي بالشجاعة التي لبست الهروب إلى الوراء بتكوين لجنة من الوزارة التي حطت بها أوزار الفضيحة (خصم وحكم)، وتقديم رؤوس صغيرة قرابين لإغلاق أفواه الفضيحة.

الحملة كما قلت تعالت معها صيحات عارمة مرددة شعارات مختلفة وإن كانت كلها تصب في قالب واحد هو ضرورة محاكمة كل المتلاعبين بأموال الشهر (وليس الوزير وحده)، الذين “مرغوا كرامته في وحل المركب الرياضي” وأمام أنظار العالم الذي تتبع في ذهول المهزلة الكبيرة والمتمثلة في استعمال “السطولة والبونج” ووسائل أخرى بدائية لإفراغ الملعب من المياه التي غمرت أرضيته المكلفة ليس لأنها غزيرة، ولكن لأن “الخدمة ماشي هي هاديك” كما قيل، وكما نقلت ذلك عدة منابر على لسان بعض الشركات.

السيد بن كيران رئيس الحكومة المغربية عندما عرضت عليه القضية لم ينهض مدافعا عمن قتل في دواخلنا أمل أن تكون لنا ملاعب بعشب أخضر دون لمعان مثل باقي الدول المصنفة في هذا المجال، وأساء إلى “صورة البلد الصاعد كما يريده الملك محمد السادس” بل اقتصر في إجابته على أن “كل شيء سيعالج في إطار المبادئ التي تجمعنا” إجابة مقتضبة فهم منها أن القضية أكثر بكثير مما نتوقع، لأنها تهم أمة حالمة تعشق الكرة بلا حدود يقودها ملك يحبها (أي أمة) وتحبه أيضا بلا حدود، السيد العنصر الأمين العام الرجل الهادئ المتزن الذي لا يتكلم إلا بعدما يزن الكلمات كان منطقيا على ما يبدو، انحاز إلى الموضوعية رغم الصراعات والمشاكل التي تسبب فيها أوزين، مؤخرا، قال بأن “الحملة غير منصفة” لأنها اختارت وقبل ظهور نتائج التحقيق توجيه أصابع الاتهام إلى الوزير، وإن كان في داخله يستنكر ما وقع لأنه وطني غيور كباقي المغاربة الذين يفضلون الموت على أن يهان الوطن وتداس كرامته، وهذا يعني أن العنصر مع إجراء تحقيق نزيه أيضا، وترتيب الجزاءات على نتائجه بكل مسؤولية ودون تدخل أو اعتراض، عكس السيدة المنقولة (بالقاف) والمتغولة في الحزب و”المنجمة في السياسة الوطنية وفي الكرة والملعب والحمام والأمطار والكازو” (الاتحاد الاشتراكي، عدد: 10888)، تلك السيدة التي حان الوقت لكي تتعلم سماع الحقيقة، وتعرف كيف ترددها أو تبوح بها كما قال صمويل جونسون “لا أن تتوغل في احتقار الأرواح” واعتبارها “زايد ناقص”، حان الوقت لكي تعود إلى حجمها الطبيعي القديم قبل أن تنضاف إليه بعض الكيلومترات بفضل تشجيع السلبي طبعا، وتتخلى عن تدخلها في شؤون هي غير مؤهلة للخوض فيها كما قيل، إما بشكل تلقائي أو إجماع كبار الحركة الذين عليهم أن يقفوا بالمرصاد في وجه كل من يسيء إلى حزب عتيد نال من الضربات ما يكفي، وتحمل نصيبا من الانشقاقات المدعمة، ومع الجميع، حتى الذين اندسوا في صفوفه دون أن تكون لهم القناعة متحدرة بمبادئه الراسخة وقيمه التي ناضل من أجل إشاعتها ونشرها داخل المدن والبوادي والقرى النائية التي تجهلها العديد من الأحزاب، وتولوا (أي المندسين) رغم فضائحهم المدوية ومتابعتهم أمام محاكم جرائم الأموال، المناصب، وأصبحت لهم الكلمة رغم انعدام تجاربهم في الميدان الحزبي وقلة نضجهم السياسي ورغم فضائحهم المتناسلة والمتعددة، والتي كادت في مناسبات كثيرة أن تؤدي إلى إساءة علاقة المغرب بدول أخرى تحترمه وتقدر جهوده المبذولة من أجل النهوض به والرفع من مكانته وتحقيق الرفاهية لمواطنيه الذي يحلمون بغد أفضل ومستقبل أسعد سواء في الكرة أو التعليم أو الديمقراطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى