روبورتاج | مقارنة بين رئيس أول حكومة في المغرب وعبد الإله بن كيران

عندما تحدث خلخلة في أي جهاز أو نمط حكم كيفما كان في العالم، تظهر أصوات سياسية تنادي بمحاربة الفساد، ومحاسبة الطبقة المسيطرة والمحتكرة لكل الموارد الحيوية في البلد. وتلقى هذه الأصوات تعاطفا كبيرا من لدن الجماهير الشعبية، ويتحول من ينادي بهذه الشعارات إلى بطل في أعين الشعب والعالم، وبعد ذلك يتم التخلص منه أو توريطه في قضية من القضايا ليبقى خالدا في الذاكرة الشعبية.
وهذا ما لوحظ من خلال آخر خلخلة في الأنظمة القائمة في العالم العربي في ما يعرف بالربيع العربي، حيث صعدت عدة أصوات تنادي بمحاربة الفساد بشتى أنواعه، بل إن حركة “20 فبراير” هنا في المغرب كان شعارها الأساسي “الشعب يريد إسقاط الفساد“، كما كان شعار حكومة عبد الإله بن كيران إسقاط الفساد ومحاربة محتكري الثروة الوطنية.
———————
بقلم الباحث: الزاكي عبد الصمد
نريد من خلال هذا التقرير أن نقف وقفة تأمل في لحظة تاريخية مهمة بالنسبة للمغرب وهي مرحلة حصوله على الاستقلال السياسي، حيث انقسمت النخبة الوطنية إلى قسمين: قسم ينادي بضرورة طرد الاستعمار والقضاء على الهياكل الاقتصادية الموروثة من عهد الحماية، ومحاربة الطبقة المغربية المستفيدة من عهد الحماية، وإعادة تمكين الفئات المهمشة من تسلق مراتب السلطة والمساهمة في صناعة القرار.
وقسم آخر يمثل البورجوازية الوطنية فقد رأى أن الاستقلال معناه وبصريح العبارة طرد الأجنبي وأخذ مكانه، واحتكار الثروات الوطنية والتحكم فيها، وهذا ما مثل قطب رحى الصراع الكبير والمرير بين جناحين داخل حزب الاستقلال.
ونريد من خلال هذا المقال أن نستعرض لقرائنا كيف رأى عبد الله إبراهيم هذا الصراع، الذي لا يعتبر شخصا عاديا، حيث إنه زعيم الجناح اليساري لحزب الاستقلال وزعيم الاتحاد المغربي للشغل، وهو الذي كان من المدافعين الأوائل عن فكرة إعادة تقسيم الثروات بين جل طبقات الشعب غداة الاستقلال. ووجهة نظره التي نستعرضها هي من خلال وثيقة سرية للمخابرات الفرنسية مؤرخة بـ3 أكتوبر 1958، ومعنى ذلك عز الأزمة بين جناحي حزب الاستقلال، وهي عبارة عن معلومات قدمها مكتب الدراسات التابع للمخابرات الفرنسية وعنوانها “تصريحات مولاي عبد الله إبراهيم عن عمل وحركة نشطاء حزب الاستقلال“.
ونود أن نشير إلى أن عبد الله إبراهيم لم يقدم أي تصريح للمخابرات الفرنسية، بل إن إنه بهذا “التصريح السري” في فاتح أكتوبر 1958 لشخص يرتبط به ارتباطا وثيقا، قد كشف له عن الأهداف التي وضعها الجناح اليساري لحزب الاستقلال، والشكل الذي يهدفون إلى إعطائه للعمل من أجل تحقيق أهدافهم. وهذا ما يثير أكثر من علامة استفهام حول تعامل أجهزة المخابرات الفرنسية مع المسؤولين المغاربة، حيث نجد في كثير من الأحيان في تلك المرحلة أن كثيرا من المقربين من الزعماء السياسيين المغاربة يقدمون معلومات للمخابرات الفرنسية.
“اليسار في المغرب ليس فكرا”
أشار “جون واتربوري” صاحب كتاب “أمير المؤمنين” إلى أن المهدي بنبركة لم يكن ماركسيا متعصبا في مناهجه ومصطلحاته ولا حتى في سلوكه. والحال أن ملاحظة واتربوري تنطبق على المحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم، وهؤلاء هم الزعماء الثلاثة لجناح اليسار لحزب الاستقلال. ونجد من خلال هذه الوثيقة التأكيد على أن عبد الله إبراهيم يشدد على أن الحركة التي يقودها هو وبنبركة والمحجوب بن الصديق ليست كما يقال ذات تكوين شبيه باليسار الفرنسي أو باليسار المتطرف في أوروبا الغربية، ويرى بأنه في غياب النضج السياسي لدى المغاربة أو الطبقات المستهدفة وهما الطبقتان العمالية والوسطى، فإن أي تصنيف من هذا النوع لحركتهم أو نعتها بالحركة الماركسية في المغرب أو مقارنتها باليسار في أوروبا الغربية، فإنه على الأقل أمر سابق لأوانه، كما يرى أن سعيهم لتطور حركتهم حتى يمكن القول بأنها شبيه باليسار في أوروبا الغربية أمر لا يمكن القيام به في ذلك الوقت.
وقد أكد في هذا الحوار السري بأنه هو وأصدقاؤه المهدي بنبركة والمحجوب بن الصديق عازمون في تلك المرحلة على عدم التوقف في منتصف الطريق، وأن هدفهم الأساسي يتمحور في تحقيق الترقية إلى مناصب المسؤولية لجميع فئات الشعب المغربي. كما أكد بأن ذلك بالضبط هو هدفهم المنشود لأنهم لا يسعون إلى استبعاد أي شخص أو أي جماعة. ويعود السبب في ذلك حسب ما صرح به عبد الله إبراهيم إلى أنه وأصدقاؤه لم يتلقوا أي تدريس أو تدريب على فكر اليسار، بمعنى أن المفهوم هو في أوروبا، وأن اليسار في المغرب ليس فكرا بقدر ما هو تعبير عن الإرادة الشعبية.
ويؤكد عبد الله إبراهيم أنهم اقتنعوا بالتمرد على نظام الحكم، لأنهم حسب رأيهم صاروا ينظرون إليه على أنه حامي طبقة اجتماعية ذات امتيازات، وهي التي فهمت أن مفهوم الاستقلال هو السماح للبورجوازية المغربية بالتصرف في الثروة الوطنية الحالية والمستقبلية.
عندما انقطعت شعرة معاوية مع أحمد بلافريج
هناك الكثير ممن يقولون بأنه كانت هناك محاولات لإيقاف التصدع الذي كان يعصف بحزب الاستقلال على الأقل إلى حدود يناير 1959، وهنا نقطع الشك باليقين على أن عبد الله إبراهيم ويساريي حزب الاستقلال كانوا منذ يوليوز 1958 على الأقل قد عزموا على الانفصال عن حزب الاستقلال. ويشرح عبد الله إبراهيم السبب في ذلك من خلال هذا التصريح السري، حيث أكد أنه لم يبق له ولرفاقه أي شيء مشترك مع أحمد بلافريج ويمين حزب الاستقلال، كما لم تبق لهم فائدة تذكر من المهيمنين من الشباب البورجوازيين الذين بالنسبة لهم انتهى عهد النضال، حسب تعبيره، حيث أكد بأن الأمر بالنسبة لهؤلاء صار يتعلق باقتسام منافع الاستقلال.
أما بالنسبة لهدف عبد الله إبراهيم ورفاقه فقد أكد خلال هذا التصريح بأن هدفهم هو إشراك جميع الطبقات الاجتماعية في تسيير البلاد، وذلك من أجل وصول الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة إلى الاستيلاء على السلطة في نهاية المطاف. وألح عبد الله إبراهيم في هذا الحوار الحصري بأنه إن لم يتحرك هو ورفاقه في هذا المسعى الآن، بمعنى المرحلة التي كان فيها يسار الحزب يضغط على يمينه، فإن المغرب سيكون في يد ثلة صغيرة من المستغلين في المستقبل، وبذلك ستضيع كل مجهوداتهم التي بدلوها وستبقى بدون معنى.
وذكر في هذا “التصريح السري” بأنه على هذا الأساس فإن يسار الحزب يحاول في أقرب وقت ممكن تنظيم ترويج سياسي داخل القاعدة الشعبية للترويج لفكرة توزيع الثروات بشكل عادل، كما أكد بأن يسار الحزب يفعل المستحيل لتجنب على الأقل ولو للحظات أن ما يقومون به من حملات يؤول على أنه ثورة ضد حزب الاستقلال، ولذلك فإن الشعار الذي يرفعونه هو: “الاستقلال الوطني لم يحقق بصيغة كاملة، وأن الإمبريالية الأجنبية ما تزال قائمة وبأشكال مقنعة”، ويتجنب بذلك شعارات معادية ليمين حزب الاستقلال.
الرجعيون في حزب الاستقلال
ولقد تطور النقاش ووصل إلى النقطة الجوهرية التي كانت تبحث عنها المخابرات الفرنسية، وهي موقف يسار الحزب من يمينه في حال ما إذا استمر يمين الحزب في رفضه للسياسة وللأفكار التي تبناها يساره، حيث تشير الوثيقة إلى أن عبد الله إبراهيم أكد أنه على الرغم من حسن نواياهم لأن نضالهم تجاوز منطق المعارضة البسيطة القائمة على معارضة الأفراد إلى معارضة الأفكار والمذاهب، إلا أنه لم يخف قلقه من أن يضطر يسار الحزب إلى الدخول في صراع مفتوح ضد يمين الحزب الذي وصف عناصره خلال هذا التصريح “بالرجعيين“.
كما أكد أنه هو ورفاقه يعلمون جيدا أنه منذ أسابيع قليلة أن يمين الحزب بقيادة أحمد بلافريج أخذ من قبل مبادرة الدخول في الصراع معهم، حيث سيستعملون ببساطة الدكتاتورية القائمة على ضرب الحرية الفردية من أجل تفكيك حركة الجناح اليساري للحزب الذي ينتمي إليه.
وفي الصدد ذاته، شدد عبد الله إبراهيم على أن يسار الحزب سيبقى على استعداد لتقديم تنازلات، بشرط أن تكون تنطوي على المعاملة بالمثل إذا لزم الأمر، في حين أكد من جهة أخرى أن حزبه سيناضل بشراسة إذا لزم الأمر ضد النظام شريطة استعمال كل الوسائل التي تتوفر بحوزتهم. مؤكدا أنهم يأخذون في الحسبان أن تجربتهم لن تعرف النجاح في تلك الظرفية بالضبط ولن تحققه في ظرفية آنية، ولكنهم واعون بذلك وقرروا أن يركبوا دائرة الخطر، لأنه في كل حال من الأحوال وعاجلا أم آجلا سيُجْبَرُ الشعب المغربي على المطالبة بحقوقهم الطبيعية.
تحالف إدارة الأمن الوطني مع الحكومة لضرب يسار الحزب

تشير الوثيقة إلى أن عبد الله إبراهيم أكد لمحاوره أنه حدث تحالف مؤقت بين الحكومة ومدير الأمن الوطني الغزاوي، حيث أعطيت لهذا الأخير كل السلط والوسائل من أجل هدم يسار حزب الاستقلال. غير أنه اعترف بأن السلطان محمد الخامس قد وجه توبيخا لمحمد الغزاوي مدير إدارة الأمن الوطني بشأن التدابير الكيدية ضد الجناح اليساري من حزب الاستقلال التي اتخذتها إدارة الأمن الوطني، ولعل آخرها التضييق على عبد الله إبراهيم من قبل الشرطة، كما أكد الملك للغزاوي بأن الشرطة ركزت هجومها على يسار الحزب وجعلته موضوع الشرطة الأساسي.
ومع ذلك، أكد عبد الله إبراهيم بأن ما قام به محمد الخامس من توبيخ لمدير الأمن الوطني لن يغير شيئا من واقع الحال، وأكد بأن حتى أصدقاء القصر ليسوا على اتفاق مع ما ذهب إليه هو والمهدي بنبركة، والمحجوب بن الصديق، وأكد بأن الكل سيعارض أي تطور يستفيد منه الشعب.
وتشير الوثيقة إلى أن النقطة الأخيرة من الحوار السري الذي دار بين عبد الله إبراهيم ومحاوره المغربي الذي يشتغل لمصلحة المخابرات الفرنسية، تمحورت حول فكرة إنجاز جامعة شعبية، وقد أكد عبد الله إبراهيم لمحاوره بأنه هو رفاقه يولون أهمية كبرى لهذه الفكرة، وقد أعطى ضمانات وتأكيد على الدعم المستمر لها، كما أكد أن يسار الحزب سيستمر في جلب المنظمين والأطر للجامعة الشعبية.
بين عبد الإله بن كيران وعبد الله إبراهيم
يمكن أن تكون المقارنة قائمة بين عبد الله إبراهيم وعبد الإله بن كيران، فقد كان الأول ينادي بإسقاط الفساد في فجر الاستقلال وتوزيع الثروات بشكل عادل، وعين رئيسا للحكومة التي تعرف في الأدبيات السياسية بحكومة عبد الله إبراهيم. ولم تستمر إلا سنة لأن رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم ظل متشبثا بأفكاره وآرائه والتي تجلت في المخطط الاقتصادي الخماسي الأول الذي كان يحمل طابعا ثوريا غير أنه أحبط.
أما عبد الإله بن كيران فقد كان ينظر له المغاربة قبل الربيع العربي على أنه الرجل الذي في استطاعته أن يغير شيئا نظرا لجرأته، وبعد توليه رئاسة الحكومة انتظر الكل أن يقوم بشيء غير مألوف، وبدت بوادر ذلك حيث رفع الرجل شعار “إسقاط الفساد” وسرعان ما اختفى شعاره، وظهر شعار آخر وهو “عفا الله عما سلف”، فتبين بأن الرجل عاجز عن مواجهة من يتحكمون في ثروات البلد، وبهذا بقي الرجل في الحكومة واستمرت حكومته، وانتهت شعاراته وأفكاره، أما عن الفرق بينهما فهو أن الأول ظل وفيا لأفكاره، بينما الثاني لا يمكننا الحكم عليه الآن(..).
لا مقارنة بين زعيم من زعماء الحركة الوطنية و محترف سياسي هو ومن معه بفضل الدكتور الخطيب و إدليس البصري تحايلو على المتعاطفين من من يرى أن الإسلام هو الحل ولا أذكر حكايتهم مع حزب الإستقلال بعد أن تنصلوا من جماعة مطيع هؤلاء دخلاء على الحركة الإسلامية التى أطرتها اولا رابطة العلماء … ثم العدل والإحسان و…و ..
المقارنة بعيدة كل البعد و ليس اليوم لأن الوضع تعاقبت فيه كل الأحزاب و تمت فيه كل المصالحات وأبتدعت فيه كل منظمات حقوق الإنسان الرسمية و شبه الرسمية..و الحقيقية المهمشة لا يقبل أي مغربي عاصر وناضل ولا يزال يناضل أن نقارن غنسان نزل عليه الإحتراف السياسي و هو لايدري من أمره إلا التملص والداهنة و…ووو…