مرت أكثر من خمسين سنة على استقلال المغرب، ومازالت المرأة في وضعية لا تحسد عليها، تعيش معاناة متعددة، رغم النصوص القانونية والتوصيات والمؤتمرات والإرادة السياسية والعمل الدؤوب والنشاط المكثف من طرف الجمعيات غير الحكومية.
لا يخفى على أحد أن المرأة المغربية تعاني من الجهل والأمية، ومن الفقر والبؤس، ومن التسول والدعارة، ومن العنف والتحرش الجنسي الشيء الكثير. فتيات قرويات حرمن من التمدرس بسبب الفقر، تشغيل الأطفال القاصرين واستغلال الطفلات في البيوت، رغم القوانين التي ظلت حبرا على ورق.
في السنوات الأخيرة، انكسر الصمت واختفى الخجل الذي كان يلف المواضيع الحساسة كـ”الإعاقة، والاغتصاب، والتحرش الجنسي، والأمراض المنتقلة جنسيا، والعنف، والدعارة..”، وأصبحت وسائل الإعلام تتحدث عن هذه المواضيع وتفضح هذه المعاملات غير اللائقة بكرامة المرأة، في الإذاعة والتلفزة وفي الجرائد والمجلات.
حقيقة أن المجتمع لم يعد يبدو لنا هادئا ونحن نمارس حياتنا اليومية العادية، ولا ننتبه إلى أننا نعيش في عالم مضطرب ومتوتر إلا عندما نسمع بوق سيارة الشرطة وهي تنطلق مسرعة في الأزقة والشوارع لنجدة إنسان مهدد، أو القبض على آخر أساء إلى الغير، وبعد كل حادث، يستقبل السجن ضيوفا جددا ليمكثوا فيه أياما أو أشهر أو عدة سنوات، وحتى عهد قريب، كانت عبارة “السجن للرجال” لا تزال تحتفظ ببعض معناها.
أما اليوم، فإن نسبة النساء اللواتي يدخلن السجون باتت ملحوظة، وذلك بسبب التعقيدات المتزايدة في الحياة الاجتماعية والضغوطات الاقتصادية وانكشافنا المتواصل على وسائل الإعلام الأجنبية التي تملي علينا قيما وأخلاقا تتنافى مع تقاليدنا وقيمنا وديننا. فلا يخفى على أحد أن جرائم النساء أصبحت متعددة ولها سمات خاصة، حيث تميل المرأة إلى استخدام المكر والخداع والنصب والاحتيال والكذب في ارتكاب بعض الجرائم، والأخطر من ذلك، خلف قضبان السجن، يولد أطفال أبرياء يصرخون صرخة الحياة، لا يعرفون إلى أي مصير هم ذاهبون، وأطفال آخرون يترعرعون وتنمو أحاسيسهم بالوحشة والخوف، يشاركون أمهاتهم فترات العقوبة داخل السجن، وجريمتهم هي أنهم أطفال لأمهات جانحات.
وهكذا تتخذ مأساة المرأة السجينة بعدا مأساويا لأنها تتلقى عقاب القضاء وعقاب أفراد أسرتها الذين يكونون شديدي القسوة على المرأة المجرمة إلى حد التبرؤ منها، وعدم السماح لها بالعودة إلى البيت بعد قضاء فترة سجنها.
من الأكيد أن معالجة قضايا المرأة بشكل عام ليست مسألة ظرفية، وإنما هي عملية طويلة ومستمرة تخضع في مسيرتها للمراجعة والتحليل والنقد والتعديل بمساهمة جميع القطاعات التي يعنيها أمر المرأة ومصيرها.