سيرة الزعيم “اليوسفي”، كتاب مفتوح على قراءات متعددة حد التناقض، منها وأهمها في نظرنا، تجربة ما يسمى بـ”التناوب التوافقي” سنة 1998، أي سنة قرب السكتة القلبية المغربية، حيث استأمن الحسن الثاني رحمه الله، عبد الرحمن اليوسفي، رجل الدولة المعارض و”تاجر السلاح” بتعبيره، على ابنه جلالة الملك محمد السادس وعرشه.
لكن ماذا تعرفون عن سيرة رفيقة عمره، “هيلين” (في الصورة هيلين رفقة زوجها)، الفرنسية الجنسية اليونانية الأصل؟
أخذنا النقاش في طريق مرافقتها إلى مدينة “كان”، السيدة هيلين ورجل مخابرات كبير (كانت العلاقات المغربية الفرنسية سمن على عسل ولم تكن متابعات قضائية لكبار مخبرينا كما هو الحال الآن) وأنا بصفتي الدبلوماسية، إلى مواضيع شتى، لأتفاجأ بالسيدة “هيلين” تقول ما يمكن ترجمته إلى اللغة العربية بالمقولة الشائعة “الله يخرج سربيس العم اليوسفي بخير”. وكلمة “العم” ليست لي ولكن للحسن الثاني، عندما قدم اليوسفي إلى ولي عهده وصنوه، قائلا: “سلمو على عمكم السي عبد الرحمن”.
تركنا “العم” اليوسفي وبعض وزرائه ورفقة “زهرة الحكومة”، بتعبيره، نزهة الشقروني سفيرة المغرب بكندا حاليا، بعد أن حجزنا له جناحا في أفخم فندق، “نيكريسكو” بمدينة نيس. وكانت لفاتورة الفندق الحامضة قصة لا يتسع المجال لسردها. لكن هذا لا يمنع أن نذكر أن “اليوسفي” بدهائه السياسي المعروف، نجح في إفشال مخطط من تخصصوا في تصيد أخطاء الوزراء والتدقيق في محتويات الفواتير، وخاصة في نوع قنينات شرابها(..)، عندما سمح لزوجته “هيلين” بعدم النزول في جناح فندقه، بل طلب منا مرافقتها إلى منزلها بـ”كان” مباشرة بعد أخذ الصورة الضرورية للبروتوكول الدبلوماسي.
من يعرفون “اليوسفي”، يؤكدون أن الرجل يستعمل الإشارة أكثر من العبارة، وبالتالي عندما ترك لنا تدبير أمور زوجته، كان يعرف أنها ستقوم بواجب إبلاغنا رسائل مشفرة، وعبرنا لمن يهمه الأمر، بحكم مهامنا الرسمية آنذاك.
اعتزل عبد الرحمن اليوسفي العمل الحزبي وليس السياسي وكانت “هيلين”، حسب مصادرنا، أسعد النساء عند سماع خبر إنهاء مهام زوجها من طرف الملك محمد السادس، علما أنه “اليوسفي”، كان ينوي التخلي عن منصبه لقيادي اتحادي آخر “م. ي”، لا يصلح للمرحلة حسب معايير المخزن.
وكانت لتسريبات الخبر من داخل مطبخ الاتحاديين وخارجه، دور في ما جرى، وتأكيد لاختراق قيادة الحزب، ودفع “اليوسفي” ثمن خطإ لم يرتكبه في فترة كان يميزها تصيد الأخطاء(..) لإنهاء مسؤوليته الوزارية، بعد نجاح مهمته في المشاركة في ترتيب بيت القصر الملكي بطريقة سلسة بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله.
للتذكير، نستأنس بحدثين لفهم تقنية “هيلين” في حماية زوجها من عفاريت الحزب وتماسيح المخزن.
الأول: يوم التعيين، تلقى اليوسفي اتصالا من الملك ولما دخل على الراحل الحسن الثاني، وجد إلى جانبه كلا من عبد الواحد الراضي والحبيب المالكي دون علمه بمهمتهما، والثاني يوم إنهاء المهمة، بينما كان اليوسفي ينتظر الدخول على الملك، وجد في قاعة الانتظار إدريس جطو وإلى جانبه المستشار الملكي الراحل محمد مزيان بالفقيه.
هكذا يشتغل القصر الملكي والمخزن مع خدامه، والهدف حسب المراقبين، هو عدم تسهيل مأمورية الاستفراد بمراكز القرار.
أما اشتغال “هيلين” مع زوجها، فله نكهة خاصة، نلخصه بجملة، لم تكن تظهر معه إلا نادرا فضلا على الابتعاد عن فضول الصحفيين وعن عفاريت الحزب وتماسيح المخزن، رغم أنها تختزن في ذاكرتها أهم أسرار المراحل السياسية للمغرب، عبر مسار رفيق عمرها الذي وصل التسعين سنة.
ليبقى اللغز المحير: هل ستنشر “هيلين” مذكراتها كما تم تسريب الخبر، بعد أن رفض إلى الآن زوجها نشر مذكراته وبالتالي إماطة اللثام عن أسرار دولة، في ملفات حساسة لم يكشف بعد عن كل تفاصيلها؟