المنبر الالكتروني

التراث الثقافي الحساني: بين إكراه الاندثار وأفاق رد الاعتبار

        إن المتأمل في المناطق الجنوبية يتضح له بجلاء وجود صبغة ثقافية بهذه المجالات الصحراوية،نظرا لكونها تضم مقومات ثقافية متنوعة تهم العادات و التقاليد, اللباس, الرقص, الموسيقى, الشعر، الصناعة التقليدية،والتظاهرات ثقافية كسباق الهجن وأسبوع الجمل ومهرجان أزوان…، مع وجود خزان تاريخي شفهي مهم يحتاج إلى البحث والتدوين من أجل حمايته وصيانته من الضياع والإندثار،ولاشك بأن المكون الثقافي يعتبر الإطار التراثي المتميز الذي يساهم في بناء الحيز الترابي وتنميته،عبر خلق الإندماج الإجتماعي بين الأفراد والمحافظة على التضامنات التقليدية و إبراز الهوية الثقافية، ،في ظل هيمنة الثقافة الواحدة التي تسعى إلى طمس المكونات الثقافية للمجموعات البشرية. لهذا فالحفاظ على هذه المقومات الثقافية من شأنها حماية ثوابتها و هويتها ضد تيار العولمة ومواجهة المنافسة الخارجية، مع تنشيط السياحة الثقافية المحلية من أجل تأمين حاجيات الأجيال الحالية وضمان سبل العيش الكريم للأجيال المقبلة.

على هذا الأساس يعد التراث الثقافي المعبئ و المحفز للطاقات المنتجة من أجل تنمية ثقافية مستديمة، لهذا أصبح إلى جانب التراث يشكل بعدا أساسيا في التنمية و مكونا من مكونات سياسة إعداد التراب، إذ أولاه التصميم الوطني لإعداد التراب و التنمية المستدامة عناية كبيرة.و ترتكز هذه السياسة على إنتهاج مقاربة مندمجة لصيانته تقوم على نسق متكامل من التدابير و الإجراءات الهادفة إلى ضمان إستمراريته في محيط طبيعي و بشري ملائم، يتم توظيفه توظيفا عقلانيا للإستفادة من منافعه حاضرا و مستقبلا.

لهذا بات من الضروري إتخاد مجموعة من التدابير لصيانة هذا المورد التراثي الحيوي وذلك عبر التفكير الجاد في حمايته من جهة وتطويره لخدمة التنمية الثقافية من جهة أخرى. لهذا فإن تطوير المجال الثقافي رهين بتطبيق مجموعة من الإجراءات التي نراها كفيلة بتحقيق الأهداف:

  • إحداث معهد للثقافة الحسانية: نظرا لغياب مؤسسة تهتم بالبحث في الثقافة المحلية مع كون المناطق الصحراوية تعتبر خزان تراثي شفهي و مادي مهم يحتاج إلى البحث والتنقيب من أجل حمايته وصيانته من الضياع والإندثار، مع تشجيع وتحفيز الطلبة الباحثين على الإهتمام بالتراث الثقافي و خلق تعاون مع الأساتذة الأكاديميين والمهتمين بالتراث الثقافي للإستفادة من خبرتهم في هذا المجال، إضافة إلى تخصيص فضاء خاص بنشر الدراسات و البحوث الثقافية على شكل كتب و منشورات و خلق دورات تكوينية لفائدة الطلبة، وكدا إحداث موقع على الأنترنيت للتعريف بمعهد الثقافة الحسانية.
  • إحداث نواة جامعية:خاصة بمدينة العيون إذ يشكل غياب نواة جامعية بالمدينة إكراها حقيقيا على المستوى التعليمي بالمنطقة ككل، فرغم وزنها الديموغرافي وإشعاعها الجهوي وتوفرها على العقار الكافي خاصة في المنطقة الشرقية من المدينة، إلا أنها لازالت تفتقد لهذا النوع من المنشآت، والتي من شأنها استقطاب كافة الطلبة من مدن مجاورة كبوجدور والداخلة والسمارة وطرفاية ومختلف الجماعات بتراب الجهات الجنوبية.
  • إنشاء فضاء الألعاب الشعبية:تشكل الألعاب الشعبية أحد الممارسات التقليدية التي تميز الساكنة الصحراوية, إلا أننا نلاحظ غياب أشكال تنظيمية للألعاب الشعبية وعدم توفر أماكن قارة لمزاولتها، وفي هذا الإطار نقترح إنشاء فضاء لممارسة الألعاب الشعبية كدعم للسياحة الثقافية.
  • مهرجان الأمثال و الحكايات الشعبية:بغية الرفع من الإشعاع الثقافي ورد الإعتبار للتراث الشفهي، وجب خلق مهرجان للأمثال والحكايات الشعبية ، وذلك من أجل الحفاظ على الثقافة الشعبية للمجال من الإندثار، وتثمين الموروث الثقافي.
  • رد الإعتبار للتراث المعماري و التاريخي: وذلك بعقد شراكات مع جهات مختصة في الترميم والتجديد، مع الإستفادة من تجارب رائدة في هذا المجال خاصة مدينة فاس العتيقة …ومما لاشك فيه أنها ستساهم في توفير فرص للعمل وستحافظ على المعالم التاريخية الأصيلة، وستحافظ على تاريخ وهوية المنطقة.
  • قطاع الصناعة التقليدية: وهو قطاع يعاني من ضعف التسويق مع غياب التنافسية عند الصناع. لهذا فلتنمية هذا القطاع نقترح ما يلي:
  • إنشاء السوق الشعبية للصناعة التقليدية: ذلك من أجل تصريف المنتوجات بشكل يراعي الخصوصيات المحلية( الثقافة الشعبية) وجودة المنتوج، وتقوم بإستقبال المنتوجات التقليدية من طرف لجنة مكونة من صناع محليين، تعمل على تقييم جودتها بهدف عرضها للبيع.
  • دليل الصناعة التقليدية: نظرا لغياب أشكال التعريف بالمنتوج التقليدي مع وجود حرف تقليدية متنوعة وضعف تسويقها، وجب التركيز على وضع دليل للصناعة التقليدية بلغات مختلفة( إسبانية، فرنسية، إنجليزية..) يقوم بالتعريف بمنتوجات الصناعة التقليدية بالمنطقة.
  • تشجيع التعاونيات: عبر توفير الدعم المالي و التقني و تسهيل المساطير القانونية، مع تنظيم دورات تكوينية خاصة لعرض المنتوجات التقليدية وتخصيص فصل الصيف الذي يوازي إنتعاش السياحة خصوصا الشاطئية من أجل عرض الصناعات التقليدية بهدف تسويقها.
  • تأهيل الكفاءات الشابة: تضم هذه المجالات موارد بشرية مهمة خاصة فئة الشباب (نسبة الشباب بمدينة العيون 64.1 % حسب إحصاء 2004 )مما يتطلب تكوينهم وتقوية قدراتهم العلمية من أجل إدماجهم في الحياة المهنية، وحتى يكونوا قادرين على اتخاذ المبادرات وإعداد المشاريع وإنجازها وتتبعها. وقد بذلت الدولة مجهودات مهمة في هذا المجال عبر إنشاء معاهد متعددة الإختصاصات، إلا أنها لا تتسم بالفاعلية و الإنسجام مع المكونات الترابية للمجال، إذا أخدنا بعين الإعتبار الخصوصيات الطبيعية و الإقتصادية و الثقافية للمنطقة، ومشاكل التنمية التي تطرحها لهذا فإن حاجيات التكوين ستطرح في المجالات التالية:
  • في الميدان الثقافي: يتطلب تقوية التجهيزات الثقافية من خلال إنشاء معهد خاص بالتراث الصحراوي قصد تكوين أطر متخصصة في دراسة التراث و تثمينه بكل أنواعه ( الطبيعي، المعماري، الثقافي).
  • في الميدان السياحي: يجب التركيز على تكوين أطر متخصصة في الإرشاد السياحي، و تنظيم الجولات وإنشاء مأوي سياحية لإستقبال السياح سواء في المناطق الساحلية المتميزة بالشواطئ الجميلة أو في المناطق الداخلية حيث البيئة الصحراوية المتنوعة ( رعي، خيام، طبخ صحراوي…).
  • في قطاع الصناعة التقليدية:

نظرا لما يعرفه هذا القطاع من مشاكل، تتركز أساسا في ضعف ترويج المنتوج، وتطفل العديد من الأشخاص على هذا القطاع بداعي التجربة، وجب تكوين الصناع وفق معايير خاصة، قصد تعبئة وتثمين منتوجاتهم ودعم تنافسيتها وتقوية جاذبيتها للسياح.

تتمة المقال بعد الإعلان

إن هذه المشاريع لا تعدو أن تكون إلا ذات قيمة توجيهية والتي نعتقد أن من شأنها الرقي بالمستوى الثقافي بهذه المجالات الصحراوية، لأن هذه المشاريع تنطلق من تثمين و حماية الموارد التراثية وفق مقاربة شمولية تجند مختلف الفاعلين المحليين سواء تعلق الأمر بالدولة و الجماعات المحلية و الخواص و منظمات المجتمع المدني و تشرك العنصر البشري بإعتباره أساس التنمية وغايتها. وما من شك أن تحقيق تنمية ثقافية رهينة بإعداد برامج ومشاريع ثقافية عملية من طرف كل الفاعلين المحليين مستقبلا، عبر تحديد الأهداف والتدابير اللازمة مع الأخد بعين الإعتبار خصوصيات الظرفية الراهنة و إمكانات المجتمع المحلي.

 

 خليل حمادي

تتمة المقال بعد الإعلان

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى