إن أصول الشريعة الإسلامية المتبعة بالمغرب على مذهب الإمام مالك هي القرآن والسنة، فقد كان الملوك كثيرا ما يعتمدون عليها في تدبير شؤون الرعية لأنه لم يكن هناك قانون مدون بالمعنى العصري، بل كان يكتفي بما هو مدون في الفقهيات من أقوال العلماء في مختصر الشيخ خليل، وتحفة ابن عاصم، وشروح المتون وحواشيها.
والحسبة لغة احتسب فلان على فلان، اختبر ما عنده واصطلاحا: حسن تدبير شؤون المسلمين وفق ما أمر به ونهى عنه الشرع، وهي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدين من بعده، وهو تعيين عمر رضي الله عنه بنت عبد الله لتولي مهنة الحسبة في السوق.
وقد كانت مهنة المحتسب ساري بها العمل في جميع المدن المغربية في عهد الحماية، كما أنها انقطعت لمدة قصيرة بعد حصول المغرب على الاستقلال وسرعان ما أحياها المرحوم الحسن الثاني في الثمانينيات من القرن الماضي، ولكنها انقرضت بعد وفاته.
ومن الشروط الواجب توفرها في المحتسب: أن يكون فقيها في الدين، عارفا بأحكام الشريعة ورعا يخاف الله في السر والعلانية عفيفا عن أموال الناس كشيمة (الرشوة)، وأن يكون على دراية تامة بأحوال المجتمع وطبقاته، وأن يقوم بمنع إبرام العقود المحرمة شرعا كعقود الربا في المعاملات القائمة على الغش والتدليس، وتفقد مراقبة المكاييل والموازين، ومنع السماسرة من احتكار السلع والمواد الغذائية، ولن تكون مهمته ناجحة إلا إذا توفرت لدى العمالة أو البلدية فرقة مكونة من عناصر القسم الاقتصادي، بالإضافة إلى ضابط شرطة من القسم الاقتصادي وإلى ضابط محلف مكلف بقمع الغش، خصوصا في العصر الحاضر الذي انتشرت فيه الفوضى المصدرة من الخارج بدعوى حقوق الإنسان، فأصبح الباعة المتجولون يحتكرون الشارع العام، ضاربين عرض الحائك دكاكين التجار الذين يسددون فواتير الكراء والكهرباء والضرائب، فإلى متى سيبقى الحال على هذا المنوال؟