حديث العاصمة | الرسالة المرموزة لاختيار عاصمة السياسة وجهة سياحية
اختيار العاصمة السياسية للمملكة كوجهة سياحية آمنة لاستقبال الباحثين عن الجديد الذين يبحثون عنه ولا يتوفر إلا في أماكن محدودة كالكنوز، وتكون جد صعبة “الاكتشاف”، وهذه الكنوز بالرغم من قيمتها المادية والمعنوية، فكثيرا ما يتجاهلها مالكوها المعنيون ولا يكلفون أدمغتهم عناء البحث عن كيفية استخراجها للعلن وتسويقها للعالم، حتى فاجأتنا مجلة أمريكية متخصصة في اكتشاف الحواضر المؤهلة قاريا وعلميا، باختيار الرباط عاصمة سياحية لسنة 2024، وهي بذلك نزعت عن أعيننا نظارات سوداء قاتمة كنا نرى من خلالها كل ما حولنا أسودا، ونبهتنا إلى أننا نعيش في عاصمة سياسية ارتقت إلى مدينة سياحية، ورغم أن الفرق بين الكلمتين حرف واحد هو “الحاء”، فإنه ذو مدلول عميق عند الباحثين اللغويين، والحاء والسين يكونان كلمة “حس”، لن يسبر أغوارها إلا المتمتعون فعلا بهذا الحس، لاستحالة الجمع بين السياحة والسياسة في مدينة واحدة إلا في حالات استثنائية كمدينة باريس الفرنسية، التي هي العاصمة السياسية والثقافية والسياحية ومدينة الأنوار، والتظاهرات الفنية وعاصمة الأناقة، وكل مستلزمات الحياة من نقل وعطور ولباس… إلخ، فتلك هي باريس مفخرة كل الأوروبيين، لذلك من التواضع أن لا نقارنها بعاصمة إفريقية كمثيلاتها في القارة، والتي أعلنت الجهاد الأكبر بعد الجهاد الأصغر، لتسعد إنسانها بتحريره من الأغلال الاستعمارية، وقد ساهم وعي الرباطيين بفضل ثقافتهم وأنوار مدينتهم، في الانخراط في الجهاد بكل تفان ونكران الذات، وتعاملوا مع مدينتهم كابنة لهم، مسكوا بيديها وقادوها إلى الأعلى لتتجاوز المطبات وتثور على التخلف وتتبنى تشييد طريق الثقافة كمنقذ لولوج عالم الكبار، وهكذا تجند المجتمع المدني لتأطيرها وزرع نواة العرفان في كل مجالاتها، ونشر ندواته ومداولاته وتجمعاته وأنشطته الموازية في موقعه والنشرات الإخبارية العمومية لتحمل بطاقة تعريف جديدة لرباط الفتح كعاصمة للثقافة، وكان عليها انتظار حوالي 37 سنة من الجهاد والاجتهاد والتضحية والمثابرة، لتصل أصداء ثقافتها كل القطر الإفريقي الذي منحها لقب العاصمة الثقافية لإفريقيا.
ونعود إلى المجلة الأمريكية واختيارها الموفق المبني على دراسات ميدانية لتتويج عاصمة السياسة للمملكة كمدينة سياحية عن سنة 2024 في كل القارة الإفريقية، ثم نعرج منها إلى المجالس المنتخبة التي التزمت الصمت وكأنها غير معنية بهذا التتويج كمسؤولية جسيمة تقع على عاتقها، والسؤال الذي نوجهه إليها: ماذا هيأت لاستقبال زوارها ولها من الإمكانيات المادية والبشرية واللجان التي يمكنها العمل دون ارتباط بالدورات ولا إذن منها؟ وهل السياح سيجدون في العاصمة تظاهرات فنية من تراثها كمدينة للتراث الإنسان يستأنسون بها في ليالي الرباط، أم سترغمهم للبقاء في غرف الفنادق وكأنهم مسجونون وليسوا سائحين لاكتشاف عاصمة الثقافة الإفريقية ؟
مجرد سؤال.